الجمهورية
ثناء حامد
اسمحوا .. لي
اتساءل.. هل لي الحق ان أتحدث في هذا الموضوع.. أم سأدخل في منطقة القسوة وعدم الإحساس بالناس الغلابة.. أم ان الظاهرة كما استفزت غيري كما استفزتني ولابد ان يتحدث أحد فيها لا أعرف إجابة محددة.. ولكن سأناقش الظاهرة التي تشوه وجه الحياة وبشدة لان تمارس في الشوارع الهامة وفي الميادين وبشكل يومي وكأنه احتلال لمواقع بعينها.
حيث تنتشر مئات من السيدات المسنات متشحات بالسواد وفي يدها أكياس المناديل.. وسيلة من وسائل التسول والغريب ان السيدة المسنة منهن سواء علي الرصيف وقدماها في الشارع معرضة نفسها للخطر الشديد ومعرضة لسائقي السيارات للتوتر.. أو انها علي كرسي متحرك بين السيارات وخاصة عند أي مطب صناعي.. ولم تكتف بذلك فحولها مجموعة من أحفادها وسيدة علي مدي كيلو متر من الطرق الرئيسية.. الأغرب ان السيدة المسنة عادة معها تليفون محمول.. تتحدث فيه بانتظام كل فترة زمنية.. ليأتي أحدهم لجني الإيراد لأنه من الخطر ان يبقي معها وخاصة ان المجموعة بكاملها تسلمها أولاً بأول.
وقادتني الصدفة ولدواعي الزحمة ان أقف عند منزل كوبري الجلاء في اتجاه صلاح سالم لأسمع مكالمة كاملة وتلح فيمن يحدثها لأن "الإيراد 70 مجمد و20 فكة.. علشان العساكر لما ييجوا ما يلقوش معها حاجة".
ويتكرر المشهد بطول طريق العروبة وصلاح سالم وميدان روكسي وغيرها من الميادين وفتيات في سن السابعة يتحركن وسط سيارات تجري كالصاروخ والمهم الإيراد.. وتحول التسول بمنديل كلينكس إلي مهنة وانتشرت المسنات مع الأطفال.. فكلاهما لا يستطيع أحد ان يقاوم أمام التذلل والإلحاح.. ويضطر ان يمد يده بما جاد به الله رحمة بالطفولة البريئة التي تدفع لهذا المشهد بضغط المستغلين.. وبالسيدات التي عادة ما تجدها تسدل نقابها أو حتي لا تسدله في مشهد يقطع القلب ان هذه السيدة بعد شقاء العمر لا تجد قوتها إلا بطريق التسول.. وهم في الحقيقة مجرد تجار شفقة وسماسرة استجداء.
الظاهرة أصبحت خطيرة بعد تكثيف انتشارها مثل الباعة الجائلين وأثق ان الدولة ستجد لها حلاً فورياً بعد ان شوه مظهرهم العاصمة وهم في الحقيقة أغني مني ومن قارئي هذه السطور.
ومن الخطأ ان تواجه الظاهرة بمطاردة قوات الشرطة لهم ولكن.. لابد من تدخل وزارة التضامن والجمعيات الأهلية والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.. والتدخل هنا لابد ان يكون تدخلاً جاداً وحقيقياً وليس للتغطية الإعلامية.. ومن السهل احتواء المسنات في مراكز والقادرات علي العمل منهن نوفر لهن فرص عمل لا تطلب الكثير من الحركة والجهد.. وليكن علي آلات صغيرة لصناعة سجاد يدوي ولتكن تعبئة مواد غذائية وتجهيز وجبات نصف مطهوة للمرأة العاملة.. هناك ألف حل وحل المهم ان تختفي هذه الظاهرة المشينة والتي تربي جيلاً جديداً يحترف التسول.. لأنه الأسهل والأكثر ربحية من أي عمل آخر.. وتنهار في نفوس هؤلاء الأطفال قيم أخلاقية عالية وأبسطها الحياة بشرف وكرامة وعزة نفس.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف