الوطن
سهير جودة
قيراط ثقة!
انزع منى البصر ولا تنزع منى الأمل ففاقد الأمل عبء وضحية وقيراط ثقة يمنح الأمل ويقضى على أفدنة الشك ولكن من أين تأتى الثقة؟ ومتى تغيب وإذا غابت فتحضر وبكل قوة عوامل الهدم وتشتعل الحرائق وتضرم النيران فى كل الاتجاهات وكأننا لا نجيد سوى فرض مناخ التشكيك وترديد أناشيد الناس وتصدير شخصيات بينها وبين الكفاءة ألف عداوة، تغيب الثقة عندما يغيب التحقق ويشعر المجتمع بالحرمان من الحصول على الحد الأدنى من الحياة الكريمة اقتصادياً وصحياً وانعدام النجاحات الجماعية وانعدام الأهداف الكبرى والبحث عن الخلاص الفردى، ويسجل التنوير أعلى معدلات غياب لتصبح اللغة بعيدة عن الرقى والإقدام ويختفى الذوق لكل ما هو أرقى ويتم الاحتفاء بكل ما هو أدنى وهابط وعشوائى، وتتضاءل ثقافة الجمال لتشهد أعلى تجليات التشوهات البشرية والفنية والمعمارية ونعتاد القبح والجلافة والغلظة، وتغيب الثقة فى التحضر والإنسانية والرقى لانسداد شريان التنوير فى المجتمع، تغيب الثقة عندما تغيب الحقائق وتأتى بدلاً منها أكاذيب تتحول إلى حقائق دامغة، والمجتمعات التى تغيب عنها ثقافة الشفافية تصبح كل السيناريوهات قابلة للانتشار والتداول والإضافة والتصديق، نحن دولة تكافح للحصول على الثقة فى المستقبل ولا بد أن تجد الناس على الأرض نتائج تدفعها للثقة والأمل، فالحرب على الفساد وإعلان تفاصيل تعقب الفاسدين يعطى ثقة للناس باختراق شبكة المصالح والفساد وأن اتجاه الدولة والحكومة هو اتجاه لحمايتهم، والعكس صحيح فالتستر على الفساد يعطى وجوداً للشائعات والتشكك، كما أن توقيت اتخاذ القرارات يدفع إلى التشكيك أو للثقة، فعندما يتم اتخاذ قرار ويعلن فى حينه بحيثياته يغلق أبواب التكهنات والمزايدات وإذا لم يحدث فمن المؤكد هو سيادة أجواء عنيفة من الشك والمزايدة وضياع الوقت والجهد للتفسير أو الدفاع والتبرير، فالخطوة المتأخرة تعطى سلاماً لمن يريد وتهبط المصداقية إلى أدنى مستوياتها، غياب الثقة يزيد من كارثة الزيادة السكانية فلا توجد ثقة فى رسالة أى حكومة فى فكرة تنظيم النسل، بينما هى ضرورة حتمية وفرض عين وفيه مصلحة الفرد قبل مصلحة المجتمع والدولة لا بد من قرارات قوية مثلما فعلت الصين لإيقاف هذا السرطان لأن نوعية البشر لدينا عبء ودمار وليست ثروة فالبشر ليسوا رقماً وإنما نوعية، إذا غابت الثقة تنفس البعض الشك بدلاً من الهواء، واكتوى الآخرون بجحيمه وتهمش القضايا الأكثر أهمية لصالح أحداث يلقى بها فى نهر الحياة لننشغل بها بكل طاقات الفضول السلبى والنميمة وجبروت الشك، تغيب الثقة لأننا لم نعتد إعلان الحقائق أو مواجهتها دون تزييف وكأننا نفتقد الحكمة والحنكة فى اتخاذ القرارات وإدارة الأزمات، بدأ العام الجديد لننشر فى الضوء قضايا فساد وإلغاء برامج وإقصاء بشر وانتحار واستفهامات، وبدأ العقل الجمعى بالدخول فى دورة هيستيريا جديدة، ولتؤكد زيادة فى منسوب فقدان الثقة وزيادة الارتباك، واذا غابت الثقة لا بد أن يكون العلم والتنوير الأولويات التى تم تجاهلها وتم إقصاؤها على مدى سنوات، فسُلب من المجتمع العقل والتفكير والتنوير وكأن العلم فعل فاضح يجب إخفاؤه، لقد صُنعت لنا أبواب عتيقة كى نبقى نتواصى بالجهل ونقبع خلف أبواب موصدة وفتات معرفة ورداءة فكر، افتقدنا أسلحة المقاومة وبدلاً من البناء على أرض صلبة اعتبرنا أن المعرفة خطيئة والاجتهاد رغبات محرمة والشفافية من أعمال الشيطان الكبرى، وبالتالى وصلنا لهذه النتيجة التى تزداد سوءاً كل يوم، وأصبحنا نرضى بالخوف، وكلما اشتد الخوف اشتد الضعف وانعدمت القدرة على المواجهة، وأصبحت العقول مساحات بيضاء يشكلها اليأس والجهل كقطع الصلصال، وأصبحنا فى حالة إعاقة كاملة تعلن عن نفسها فى كل موقف وفى كل قضية نحاصر بالإهمال والإرهاب والفساد، ونقابل هذا الحصار بالهوس الجمعى والصراخ والعبث ولا نمتلك حلولاً جذرية، إننا فقط نمتلك أقل القليل من رصيد الثقة والكثير من التخبط والأكثر من اليأس والخوف فإلى متى؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف