تشابكت وتداخلت خيوط الأزمات في المنطقة,وتوالت الأحداث بشكل متسارع ومضطرب, وتحركت قوي وميليشيات محلية, وجماعات أصولية متطرفة وإرهابية,
باغتت الساحة السياسية, وتمادت قوي إقليمية لتمارس أدوارا داعمة و مكملة لادوار خارجية مشبوهة ومخططات غير واضحة, وتداخلت التفاعلات الداخلية في الأقطار العربية منذ يناير 2011 لتزداد الصورة ضبابية وعدم وضوح.
مع مرور الوقت و توالي السنين وتتابع الأحداث السياسية و التحولات الميدانية في دولنا المختلفة وتبلور أبعاد الصراعات في سوريا و العراق و ليبيا واليمن .
و في مصر علي ارض سيناء و عبر حزام جغرافي يحد عالمنا العربي عبر إقليم الساحل (الصحراء الإفريقية ), باتت الأمور أكثر وضوحا و بات ممكنا إلقاء ضوء و فتح نافذة له ينفذ منها ليضيء ظلاما دامسا أحاط بنا في الشرق الأوسط .
بات لزاما الآن وقد تبددت مساحات العتمة وعدم الوضوح ان يكون الحديث صريحا لان الخطر و التهديد بات وجوديا ودون مبالغة يتهدد نسيج مجتمعاتنا وحدود أوطاننا وقيم ديننا وحضارتنا، و فيما يبدو مؤكدا أننا بالفعل نخوض حربا من نوع جديد تقسم عالمنا العربي لأقاليم تسيطر عليها إما ميليشيات أو جماعات مذهبية أو كلتاهما معا , و تتقاسم فيما بينها الثروات وتبددها لقاح صانعيها كما تفتت تلك الجماعات الجيوش الوطنية إلي شيع ووحدات تابعة ، فتبقي تلك الأقاليم بعيدة عن سيطرة الدولة القومية المركزية ولا وجود لجيش وطني يلملم أطراف الدولة و مع مرور الوقت يتعمق الانقسام و تتفتت الجغرافيا والديمغرافيا ويصبح كل كيان حريصا علي حماية إثنيته ...
و لزم لمخططي تلك الفوضي سلاح علي الأرض يسمح بالتدخل المباشر، و كانت الضالة في الإرهاب وجماعات أصولية متطرفة ستكشف الأيام وإن كشفت بالفعل كيف استخدمت لهذا الغرض كأداة للتفتيت وتشتيت الجهود و إرباك الجيوش وأخيرا في ترسيم الحدود، حيث تمكن من الأرض في ظروف غامضة لتقوم قوي بعينها في تحرير الأرض ومن يحرر ارضا يستولي حلفاؤه عليها, سواء كان الحديث هنا عن قوي محلية أو قوي إقليمية مرتبطة بالمشروع و تنفيذه .
جوهر المعركة في ليبيا وسوريا والعراق واليمن وغيرها من بلداننا بما في ذلك ما كان يستهدف مصر، هو القضاء علي الدولة الوطنية الجامعة وتقسيم العالم العربي ودوله الرئيسية لتصبح متناحرة عقائديا وجغرافيا يسهل اختراقها وتوجيهها، وتبقي القوي الإقليمية مهيمنة حيث لا رابط أو حكما مركزيا أو جيشا وطنيا يحمي ويصون فتزداد الصراعات و تبدد الثروات ويرتفع شأن أعداء الوطن وركائزهم الإقليمية وهيمنتهم وسيطرتهم .
مفردات خطاب مصر الاقليمي والدولي في التعامل مع الأوضاع في منطقتنا و الأزمات الناشبة فية أضحي معبرا عن كل ماذكرناه، تشرح ما كان مستهدفا و مانسعي لحمايته والمحافظة عليه للخروج مما كان مدبرا لدولنا، فعندما نقول المحافظة علي الوحدة الترابية و السلامة الإقليمية و حماية المؤسسات بدولنا العربية , فان مصر تقصد تحديدا حماية الدولة القومية و استرجاع عافية أقطارنا العربية قطراً قطراً .
وهكذا تكون مصر قد بدأت في إدراك الخطر الذي يدبر ويحيق وينفذ الآن بالمنطقة، وكانت هي مصر في القلب من هذا التخطيط الشرير المستمر ، فمعركتنا الآن من اجل الحفاظ علي الدولة القومية في المنطقة العربية كلها بعدما استخلصت مؤسساتها ووحدة أراضيها مما كان مخططا لها و لجيشها ولأرضها خاصة في سيناء . لم يكن غريبا بل كان مدهشاً أن تجد داعش وعلي نحو مفاجئ علي بعد (70) كيلو مترا من حدودنا الغربية في درنة الليبية و تتمركز فجأة هناك و علي حدودنا الشرقية في شمال سيناء تمارس تنظيمات إرهابية عملا عسكريا مدعوما و منظما ، وعلي امتداد الخريطة الجغرافية العربية نجدهم في وسط و شمال العراق , وفي شمال سوريا تدور رحي معارك طويلة مأساوية استنزفت ومازالت قدرات البلدين و أشغلت جيوشهم و بات تفتيت الأرض الجغرافيا والسكان ماثلا لصالح قوي داخلية و إقليمية غير عربية . صار لزاما، وقدرا علي مصر أن تسير علي نهجها وموقفها ووعيها الاستراتيجي الحالي رغم كلفته، فالخطر لا يزال ماثلا علي الحدود وأقطارنا في وسط العواصف و الأنواء وقد يمكن الخروج بقدر من التماسك واستعادة مسار دولتنا القومية في ليبيا وسوريا والعراق بكامل أو معظم الجغرافيا .
سلاحنا الأهم الآن هو أننا قد حددنا المخطط و الأعداء و الأهداف التي يرجونها و الأدوات التي يستخدمونها و صارت الغرفة أقل ظلاما و مع عزم الرجال وصلابة الموقف الداخلي والتحرك الاقليمي الواعي يمكن أن نفسد هذا التخطيط الشرس والشرير وحتي تعود لمنطقتنا قدرتها علي التأثير، فعلينا أن نعمل معا و نتغلب علي أية خلافات طارئة و نتبادل حوارا استراتيجيا عربيا يعي و يتفهم ما سبق و يدرس أسلوب حركة أمنية وعسكرية تحقق للأمن العربي أهدافه وتحميه مما يستهدفه , ويتم إعلاء قيم المواطنة والحفاظ علي الدولة القومية الراسخة وحتي نخرج منتصرين بعد أن دفعنا كلفة إنسانية ومادية باهظة.