الأهرام
عماد عبد الراضى
مكالمات البرادعى.. وصمت العقلاء
وقعت التسريبات التى أذاعها الزميل أحمد موسى لمكالمات محمد البرادعى "أيقونة النكسة" فى قلبى وقعا خاصا، فقد كان فحوى المكالمات من أفكار وألفاظ "تخرج عن حدود الأدب" بحق شخصيات عرفت بقربها منه، وأيضا بأنها من صناع أحداث يناير، لتثبت الحجم الحقيقى لنماذج رفعناها إلى عنان السماء، ونسبنا إليها بطولات زائفة.
وطوال الوقت الذى استغرقته فى سماع المكالمات "عبر موقع يوتيوب"، كان يتداعى إلى ذاكرتى ذلك الحوار "القمىء" الذى أجراه البرادعى مع إحدى الفضائيات قبل تنحى الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك عن الحكم، عندما دعاه لأن يغادر البلاد فى أول طائرة، وبعدها بفترة وجيزة، أعتقد فى استفتاء دستور مارس، إذا بالبرادعى نفسه يتذوق مرارة مواجهة الشعب المصرى "الحقيقى الذى لم يره من قبل"، وربما كانت مرارة المواجهة "وآلامها" السبب الأول فى خروج فكرة رئاسة البلاد من رأسه إلى غير رجعة.

وأعتقد أن هذه المكالمات ستكون المسمار الأخير فى نعش الحدث الذى لا زلنا نعانى آلامه وويلاته، حتى الآن، فى بلادنا وأمنها واستقرارها واقتصادها، ذلك الحدث الذى يسمونه بـ"الثورة"، والذى أدعو الله أن ينجى مصر من شره وشر رجاله، وأبتهل إليه أن يوقف تداعياته الخطيرة التى بات كل مصرى يشعر بها.
تقول الحكمة إنه "لو كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب"، وفى مواقف كثيرة يكون الصمت أكثر وقعا وتأثيرا من الكلام، لكن يبدو أننا فقدنا حكمة الصمت كما فقدنا كل شىء جميل فى حياتنا بعد نكسة يناير "لا أعادها الله"، فقد أصبحنا نعيش فى صخب وضجيج يصيب العقلاء بجنون حقيقى.

إنك لا تكاد تسمع صوتا واحدا من شدة الضجيج، وكل واحد ممن يتكلمون يظن أنه يستطيع أن يعلو بصوته فوق أصوات الآخرين، وأنه قد أصبح صاحب الصوت الوحيد المسموع، بينما الحقيقة أن كلامه يضيع وسط الصخب، بل إنه ينتقص منه ومن مكانته بين العقلاء.

ورأيى أن الزمن الحالى هو زمن الصمت، وأن الصامتين هم رجال المرحلة القادمة، فالعاقل يعلم متى يصمت ومتى يتكلم ومتى يمكن أن يكون صوته فريدا ومسموعا، وعندما يحين وقت الكلام يعلم ماذا يمكن أن يقول، ويدرك لمن سيوجه حديثه، ويحرص على أن يكون صوته مسموعا، بل ومرغوبا فى سماعه ربما لأجيال قادمة وليس للحظة الآنية فقط، فهو أكبر من أن يضيع صوته فى هذا الزحام، وحتى لو عاش بعض الوقت بعيدا عن الأحداث، فهو مؤثر بصمته حينما يصمت، وسيكون مؤثرا بكلامه حينما يتكلم.

أيها العقلاء.. اصمتوا، فلم يحن بعد وقت الكلام.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف