فريد إبراهيم
مجلس الحكماء وتأملات في مؤتمر "2"
من نقائص العمل الاعلامي الذي يلجأ إليه أصحاب الأغراض اجتزاء الحدث من سياقه فيعطي من المعاني ما لا يهدف إليه في سياقه العام وما لا يهدف إليه صاحبه.. كذلك من نقائصه التي تقع في حق الحقيقة وحق الجمهور الذي يسعي إلي المعرفة من هذه الوسائل تهميش الجوهري وتضخيم الهامشي أي أنه يعمد إلي أصول الاشياء وحقيقتها فيقدمها مبتسرة علي هامش الحدث لا قيمة لها ثم ينفخ في الفروع أو هوامش الاشياء حتي تبدو وكأنها الأصل والحقيقة والمشكلة التي تحتاج إلي حل ونقاش.
ليخلق حالة من الحراك والجدل والنقاش حول ما لا قيمة له أو حول ما لا يستحق ان يتوقف عنده الإنسان وهو يقوم بعمل كبير.. فيصبح الشكل أصلا والمضمون شكلاً.
هذه المنهجية في التعامل مع القضايا يلجأ إليها أولئك الذين يريدون ان يصرفوا الأمم عن قضاياها الكبري المهمة التي يليق بها أن يبذل الناس من أجلها الجهد والعصف الذهني.
أجدني أقول هذا وأنا اتأمل الضجة التي اقيمت حول كلام الأمام الأكبر في افتتاحه مؤتمر الحوار الشبابي لأبناء ميانمار المسلمين والبوذيين والهندوس والمسيحيين في إطار سعي مجلس حكماء المسلمين لايجاد أرضية لوقف المذابح التي يواجهها المسلمون هناك وبدلاً من الحديث عما يمكن ان تسفر عنه هذه الجهود أو تقديم الاقتراحات في المرحلة القادمة التي قد يفيد بها مجلس حكماء المسلمين في مسعاه وجدنا صخباً حول وصف الامام الأكبر لعقيدة البوذيين بأنها دين إنساني ووصل الأمر إلي التشكيك في عقيدة الامام نفسه.
فإذا نظرنا إلي الأمر من حيث عظمة العمل لوجدنا أن ما توقف أمامه هؤلاء شكل لا علاقة له بعظمة المهمة بل انهم لم يتحدثوا عن جوهر الحدث واكتفوا بمنهج شغل الناس عن أصل القضية.
فإذا نظرنا إلي منهج الامام في حديثه إلي الحضور من مختلفي الأديان وجدناه منهجاً إسلامياً ينطلق من مبدأ احترام عقائد الآخرين واحترام اختياراتهم فالإسلام نفسه جاء لاقرار حرية الاختيار حين قال "لكم دينكم ولي دين" فالله صاحب الدين وهو الإله الواحد الذي يشرك الكافرون معه اصناماً وافراداً يعبدونها معه أو يعبدونها من دونه سمي هذا الانحراف ديناً ولم يسمه شيئاً آخر وهو يقر حرية الاختيار بل علم نبيه فن التعامل مع هؤلاء المختلفين وهو الموضوعية والانتصاف من النفس واحترام اختيارهم فعلمه ان يقول: "وإنا أو إياكم لعلي هدي أو في ضلال مبين" وبالتالي فإن من الكياسة في موضع حقن الدماء ألا نناقش صواب الاعتقاد من خطئه لأنه ليس موضوع الاجتماع بل أن التطرق إليه لون من الجهل وعدم الحنكة الفكرية والحوارية لأننا نقحم في موضوع موضوع آخر فيزداد الأمر تعقيداً بل نفسد الأمر الأساسي الذي هو حقن الدماء ووقف مجازر بشعة ضد إخوان لنا وقد قبل الرسول صلي الله عليه وسلم اشتراط سهيل بن عمرو في صلح الحديبية ألا يكتب في عقد الاتفاق صفته وهي رسول الله لأن الرجل لا يؤمن برسالته فاحترم الرسول اعتقاده وأمر سيدنا علي أن يكتب هذا ما اتفق عليه محمد بن عبدالله. إذن ما فعله الامام كان احتراماً أيضاً لاعتقاد الآخرين فإذا عدنا إلي كلمة دين في اللغة والاصطلاح فإنها كل ما يعتقده الإنسان ويدين به سواء أكان صواباً أو خطأ.. فإذا تأملنا كلمة دين إنساني فليس معناه فقط دين يدعو للإنسانية وإنما من معانيه دين وضعي اخترعه الإنسان أي أن الرجل لم يتجاوز ما يلومه هؤلاء عليه.