الجمهورية
شكرى القاضى
هـــذه اللغــــــــة .. وتلك الحضــــــــــارة
** كان الشاعر والإذاعي الكبير فاروق شوشة أحد فرسان اللغة العربية في تاريخنا المعاصر - لا ريب - فمن منا لا يذكر برنامجه الأشهر "لغتنا الجميلة" علي موجة البرنامج العام بامتداد نصف قرن وحتي غادرنا في العام الماضي.. من منا لم يتأثر بنبرات صوته الرخيم بامتداد عشر دقائق يوميا وهو يصُدّر برنامجه ببيت الشعر الشهير لشاعر النيل "حافظ إبراهيم":
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
- كان شوشة يتحدث بلسان العربية ويفاخر بالانتماء إليها فاللغة العربية والقرآن لا ينفصلان وعندما تحتفل الأمم المتحدة بلغة الضاد وتخصص لها يوم الثامن عشر من ديسمبر من كل عام باعتبارها احدي اللغات الست المعترف بها في المنظمة العالمية. فإننا نتذكر أيضا عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين الذي غادرنا في أعقاب حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 أحد أبرز فرسان اللغة العربية بامتداد تاريخها. فقد امتلك الرجل ناصيتها بعد أن اتقن لغة القرآن وتأثر بها فإذا به صاحب أسلوب سهل ممتنع لا مثيل له ومن أسف ان الاحتفال بلغة الضاد هذا العام قد تزامن مع الذكري المئوية لمناسبتين مشئومتين في تاريخ العرب المعاصر. الأولي تتمثل في إعلان اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 بين انجلترا وفرنسا لتقسيم العالم العربي فيما بينهما. والثانية "وعد بلفور" وزير الخارجية البريطاني عام 1917 عندما أعلن وعده المشئوم بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وعندما يهل علينا "اليوم العالمي" للغة العربية تتجدد أحزان العرب فإذا كانت الأمة العربية قد دخلت النفق المظلم. فلا بديل للعرب عن التمسك بلغتهم للحفاظ علي هويتهم والدفاع عن وجودهم.
** القضية اذن ليست في أزمة اللغة العربية فمثل تلك الأزمة التي عجزت الحكومات المتوالية عن حلها بامتداد ثلثي قرن يستطيع شباب الفيس بوك علي مواقع التواصل الاجتماعي تحقيق نتائج مدهشة إذا ما عقدوا العزم علي التخاطب بها عبر تواصلهم والتصدي لظاهرة الفرانكو آراب علي الشبكة العنكبوتية وإذا كانت وسائل الإعلام المختلفة لا تدرك عظيم قدر اللغة العربية فإن هناك الكثير من رواد التواصل الاجتماعي علي النت يستطيعون التخاطب بلغة الضاد وتصحيح المفاهيم المغلوطة في التداول ورأيي الشخصي ان خير وسيلة للتعلم والتأمل والنطق الصحيح هي الاستماع إلي كتاب الله عبر الأصوات الندية لكبار القراء. فإذا ما أحسنا الاستماع في مختلف الأعمار فسوف نتعلم الاعتزاز بهويتنا واتقان لغتنا واستيعاب ثقافتنا خاصة في المراحل السنية المبكرة وبذلك نستطيع الانتصار للغة العربية وتعزيز الانتماء للغة والأرض في آن.
- ودعونا نتفق ان القضية ليست في أزمة اللغة العربية ولكنها قضية الصراع العربي - الصهيوأمريكي وهي قضية وجود لا حدود. الأمر الذي انعكس بالسلب علي المثقف العربي للعديد من الأسباب والاعتبارات ومع ذلك يظل المثقفون هم الأمل الوحيد في اقالة اللغة العربية من عثرتها. بشرط تصحيح الصورة السلبية عن اللغة العربية ومعلمها.
ودعونا نتوقف للحظات أمام مأساة الأستاذ "حمام" مدرس اللغة العربية الضليع. تلك الشخصية التي جسدها الفنان الراحل نجيب الريحاني في فيلم أنتجته السينما المصرية عام 1949 بعنوان "غزل البنات" ويبدو أنه مات كمدا علي الأحوال المتدنية للغة العربية في أعقاب انتهاء عمله بهذا الفيلم منذ 65 عاما..!
** آخر الكلام :
علينا أن نفاخر بالقرآن - لغة الضاد. فنحن أمة القرآن ومن هذه الأمة العظيمة خرج الكثير من العلماء والعباقرة أولئك الذين كانوا أفهم لآيات الله في كونه وأكثر إدراكاً لسر الله في خلقه ومن ثم يصبح من الضرورة بمكان أن تهتم الدولة بإعداد معلم اللغة العربية الإعداد المناسب. فلا يصح ولا يليق أن نعهد إلي مدرسين لا يتقنون العربية في مدارسنا. وفي المقابل لا يصح ولا يليق أن نقلل من شأن معلمي اللغة العربية ونبخس حقهم في التقدير المادي والمعنوي. فالتفريط في اللغة العربية تفريط في الناطقين بها كذلك. هذه واحدة والثانية وهي الأهم أن للعلماء العرب فضلاً عظيماً علي الحضارة الأوروبية لا يمكن تجاهله في مختلف العلوم والفنون والفكر الانساني.. والحديث عن ابن سينا وابن رشد. وابن الهيثم وابن البيطار والفارابي والإدريسي وجابر بن حيان وياقوت الحموي وأبي القاسم الزهراوي وغيرهم من العلماء العرب الأفذاذ يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك فضل اللغة العربية علي كافة الحضارات الانسانية.. وهذا موضوع آخر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف