رامى جلال عامر
عقد اجتماعى من صالة «كريستى»
للروائى الفرنسى «جى دى موباسان» قصة بديعة بعنوان «عقد الماس»، تحكى عن شابة فقيرة خربت حياتها حين أضاعت عقداً ماسياً كانت قد اقترضته من سيدة ثرية لحضور حفل، فاشترت لها آخر جديداً دون علم صاحبته، وظلت تعمل وتدفع أقساطه لعشر سنوات حتى فقدت صحتها وجمالها، ثم اكتشفت صدفة أن العقد الذى أضاعته كان مجرد نسخة رخيصة عن الأصل!
على أرض الواقع، هناك عقد ماسى آخر تسبب فى ضياع امرأة أخرى ومعها مملكتها، وتبدأ القصة من عند شارل وبول، وهما اثنان من «جواهرجية» البلاط الملكى الفرنسى، صنعا عقداً ماسياً يقترب وزنه من ثلاثة آلاف قيراط، وبه حوالى 650 ماسة، وبلغ ثمنه فى هذا العصر أكثر من مليون ونصف المليون من الجنيهات، وقتها كان الكاردينال «إدوارد دروهان» يطمع فى منصب كبير وزراء لويس السادس عشر، فتقربت منه نصابة تدعى «مدام ديلاموت»، أوهمته أنها على صلة بالملكة «مارى أنطوانيت»، وأحضرت مومساً تدعى «البارونة أوليفيا» وجعلتها تنتحل شخصية الملكة فى لقاء ليلى بأحد بساتين مدينة فرساى.. ثم قامت «مدام ديلاموت» بتزوير توكيل بخط الملكة يُخول لـ«دروهان» شراء العقد الماسى باهظ الثمن، وانطلى الخطاب على الجواهرجيين أيضاً فسلماه العقد بعد تعهد كتابى منه بدفع ثمنه، ثم سلمه هو إلى «مدام ديلاموت» التى فككته وباعت معظم حباته، ومع الوقت ذهب «دروهان» إلى القصر الملكى يُطالب بثمن العقد، فانكشفت المؤامرة وقُبض على الجميع.
انتهى الأمر بالرجل إلى تجريده من رتبه ونفيه، أما مدام «ديلاموت» فتم تجريدها هى الأخرى ولكن من ملابسها وجُلدت ثم سُجنت مدى الحياة، ولكنها هربت بعد عام.
وأثارت القضية الفرنسيين واعتبروا أن حب «مارى أنطوانيت» للجواهر والبذخ هو أصل الشرور، وبسبب الواقعة تزايدت المشاعر السلبية ضدها إلى أن أعدمت بالمقصلة، حتى إن نابليون قال إن موتها بدأ بقصة عقد الماس. بالمناسبة مصير العقد ظل مجهولاً إلى أن ظهر جزء منه منذ حوالى عشر سنوات فى صالة «كريستى» الشهيرة للمزادات.
إن كان ضياع «العقد الماسى» قد أضاع مملكة، فهناك عقد آخر يضيع ضياعه أمماً بحالها، وهو «العقد الاجتماعى»، فدعونا نحافظ عليه ونتمسك به، هو كالزواج لا يُفرض بل يأتى بالتراضى، وهو يقوم على قناعة الأفراد بضرورة الاتفاق على الخروج من حالة الفوضى إلى آفاق التنظيم، فلكى تنتظم الفوضى يلزمها اتفاق على قوانين معينة، يضعها مُشرع بشكل مُحكم، وتطبقها دولة بجدية وتشرف عليها بحسم، فيما يلتزم بها الأفراد.
وبموجب ذلك يتخلى هؤلاء الأفراد عن بعض حقوقهم لصالح الدولة (مثل حقهم فى الأخذ بالثأر مثلاً)، وتلتزم الأخيرة بتوفير الحقوق للجميع.. حافظوا على «العقد الاجتماعى» وابتعدوا عن بقايا صالة «كريستى».