الأهرام
أحمد فؤاد أنور
الإدارة بمشرط جابر نصار
حين تتراكم المعاناة بسبب إهمال العلاج لسنوات وسنوات، وحين تفشل المناعة الذاتية في التصدي للفيروسات، وحين يفشل العلاج بالعقاقير يتدخل الجراح الماهر بمسئولية وشجاعة لكي يفتح بحكمة ويطهر بأمانة ودقة ثم يغلق ما فتحه على أكمل وجه. القرار والتنفيذ يتم بعد دراسة شاملة وخبرة تؤهل بشفاء المريض أو تخفيف آلامه.. فبفضل جراحة 30 يونيو اجتازت مصر مرحلة عصيبة كانت ستعصف بهويتها ومقدراتها، وربما حدودها المعروفة منذ آلاف السنين!

ومن المؤسف أن الثورة العظيمة لم تنعكس آثارها كما ينبغي على مجالات نتوق فيها للتصدي الشامل للفساد ومواجهة التطرف. فقطاع عريض يتابع جهود الرئيس وتضحيات المؤسسة العسكرية، ومحاولات أجهزة رقابية بتر عناصر فاسدة متبجحة من الهيكل الإداري، دون أن يحاول هذا القطاع التصدي كما ينبغي لإصلاح جذري في محيط عمله متشبثا بالحلول التقليدية.. متعللا بقلة الإمكانات رافضاً حتى مد يد العون! ولا نجد أجوبة مقنعة للسؤال: لماذا يستمر ضعف أداء مؤسسات، وأداء كبار - صغار الموظفين في مواجهة تجاوزات وافتراءات قناة تليفزيونية مفضوحة تنقل عنها إسرائيل والغرب المنحاز ليل نهار دون أن يكون الصوت المصري مسموعاً؟! ولا تجد جوابا شافيا لسؤال: لماذا لا يتم التصدي بحزم لمن قرر محاكمة نجيب محفوظ موجهاً له طعنة جديدة في رقبته، وهو من هو في الإبداع والانتماء لمصر والاعتزاز بها؟ ويكفي الأديب العملاق الراحل أنه لم يلهث وراء نوبل وأرسل حتى بعد فوزه بنتيه بزي شرقي متواضع محتشم لتسلم الجائزة الأرفع على مستوى العالم. لماذا لا يتم في وزارة الداخلية تطبيق فكرة تدر دخلا من عرض لوحات أرقام السيارات المميزة في مزاد علني (كما تفعل دول عربية ثرية شقيقة، وكما تفعل شركات المحمول في أرقامها المميزة) بدلاً من إهدار تلك الأرقام ومنحها بشكل عشوائي أو منحها لأصدقاء ومعارف؟ ولماذا عادت الاستثناءات لتطل برأسها رافضة الإجراءات الأمنية في مداخل محطات القطار والمترو مما يسهل حركة الإرهاب ويفتح المجال لثغرات خطيرة؟ ولماذا لم ينبرِ حتى الآن وزير التنمية المحلية لكبح فساد المحليات الذي سمح بتحويل جراجات في قلب القاهرة إلى مراكز تجارية بالمخالفة للتراخيص مثل ما حدث لجراج برجين في شارع رئيسي بقلب القاهرة تحول جهاراً نهاراً إلى مركز تجاري تركي؟!

الأوضاع في مصر تحتاج لجراحات عاجلة حاسمة يقوم بها المسئول في موقعه بالإمكانات المتاحة كالجندي الذي يصطاد ويأكل لحم الثعبان السام في دقيقة بدلا من الصراخ بحثا عن «رفاعي» أو ملاذ آمن. مصر في هذه المرحلة الدقيقة تحتاج لقيادات تتحلي بشجاعةً الدكتور جابر نصار الذي نجح بمشرطه وبأقل الإمكانات في تحويل جامعة القاهرة إلى قلعة تنوير ونموذج في الإدارة ومحاربة الفساد.. من مؤشرات نجاح د. جابر أرصدة الجامعة في البنوك، وصعود الجامعة في التصنيف العالمي، ودرجة انضباط أعلى وأفضل عن ذي قبل، وتواصل إيجابي مع الطلبة ومع المجتمع، فما هي عوامل النجاح التي مكنته من تحقيق هدفه وهدفنا وننادي بدراستها وتعميمها حتى على مستوى المسئولين عن أصغر وحدة أو موقع إداري.

أولا : التفرغ للمسئولية – الجامعة – حيث رتب الدكتور جابر أولوياته مفضلا إنجاح تجربة العمل العام على عمله الخاص الناجح حتى ولو في غير ساعات العمل الرسمية، كما انتقل بمسكنه إلى موقع أقرب من الجامعة.

ثانيا: جعل التواصل ميسراً مع الجميع فلا حاجب ولا عائق، يمكنك فقط التواصل الإلكتروني وستجد اهتماماً وتوضيحا وتفاعلاً سواء أكنت طالباً صغيراً أم عابر سبيل عنّ لك طرح فكرة أو إبداء رأي أو تساؤل، ففي هذا التواصل توضيح لجوهر القرارات ومتابعة لنبض الشارع والرأي العام، ووضع اليد دون وسيط على حلول ومقترحات غير تقليدية أو مخاوف يجب أن توضع في الحسبان. وهذا ما يجريه د. جابر بشكل شبه يومي..واعتقد أنه أفاده وأفاد الجامعة كثيرا، ويعزز من فعالية هذا التواصل أن القرارات منطقية واضحة تبتغي الصالح العام حتى لو تضرر منها البعض.

ثالثا: رفض الاستثناءات ورفض المساواة بين من يعمل ومن لا يعمل حيث ألغى د. جابر «شهر أوباما»، فبعد أن قام رئيس الجامعة السابق بمنح كل العاملين والموظفين وأعضاء هيئة التدريس شهرا كمكافأة بمناسبة خطاب أوباما الشهير في جامعة القاهرة استمر صرف هذا الشهر للجميع لسنوات حتى قرر د. جابر عدم منح المكافآت إلا لمن يستحق، معلناً بشجاعة أن نظام صرف المكافآت للجميع دون عمل وبلا ضوابط هو فساد، رافعاً شعار «المكافأة لمن يعمل فقط».

رابعاً: رفض التعلل بقلة الإمكانات.. فقام د. جابر بتوفير بيئة صالحة لإنجاح مطبعة الجامعة التي أصبحت تدر أرباحاً كبيرة كل عام.. مع توفير الكتب للطلبة بسعر زهيد يحفظ كرامة الأستاذ الجامعي أيضا. والتعاطف مع المستحقين من مرضى وحالات الانسانية.. والتشدد في مواجهة المتهربين من أداء أعمالهم. ونحن نطوي صفحة عام مضى، ونحن نتطلع للإصلاح الحقيقي من المفيد أن ندرس إمكانية تكرار تعميم تجربة الدكتور جابر لأن فيها رفض الإدمان الشكوى، وعدم استسلام لقلة الحيلة أو تحجج بقلة الإمكانيات، إنها بالفعل تجربة تستحق المساندة وليس التكريم فقط.. لأنها إذا تكررت في قطاعات عديدة ستكون بمثابة قاطرة تفتح الطريق وتزيل الركام وتتجاوز المعوقات..وتجذب مصر في الاتجاه الصحيح.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف