عبد الرحمن فهمى
ذ كر يات .. أفكارنا وصلت بوخارست!!
الجو القارس غير العادي يجتاح العالم كله الآن لأول مرة في التاريخ بهذه القسوة.. في مدينة بوخارست عاصمة رومانيا عائلة ما بدافع إنساني أخرجت كل البلاطي والملابس الصوفية الثقيلة من الدواليب وقررت الاستغناء عن بعضها وبعد التنظيف والمكوي وضعتها علي شماعات وعرضتها علي الباب الخارجي للفيللا علي الرصيف ليأخذها من يريد ممن عصفت بهم موجة الصقيع.. كثيرون أعجبتهم الفكرة الإنسانية وعرضوا المعاطف والملابس الشتوية في الشارع لمن يريد.. المدير الإداري للعاصمة "المحافظ" أعجبته الفكرة فقام بتخصيص مكان في كل حي يتلقي التبرعات تحت إشراف ومراقبة موظفين تابعين له.. لكي يتم التخزين والتوزيع لمن يستحق فعلاً.
الخبر المنشور في جريدة "الأهرام" يقول ايضا إن الدكتور السيد حسن رئيس مجلس إدارة الجالية المصرية في رومانيا.. جمع المجلس وقاموا بجمع مبالغ كبيرة واختاروا إحدي الجمعيات الخيرية الكبري المشهورة في مصر وأرسلوا لهم الصكوك المالية لشراء بطاطين وملابس شتوية لمن يستحق في مصر.
***
وأمس فقط.. في نفس هذا المكان ناشدت وزير الأوقاف بأن تشتري المساجد بنقود صناديق النذور وصناديق الزكاة الموجودة بالمساجد تشتري كيمات من البطاطين ليوزعها المسجد علي من يستحق في منطقته.. والمفروض وجود مجلس إدارة لكل مسجد يقوم بهذه المهمة.. بدلاً مما يحدث الآن.. توزيع النقود علي طوابير من سيدات يرتدين الجلاليب السوداء.. كل أسبوع نفس النساء وبناتهن.. والتوزيع عبارة عن مبالغ تافهة عادة لا تزيد علي عشرة جنيهات ثمن قطعة جبن أبيض!!
ليس هذا من تفكيري ولا من اختراعي.. لقد كان هذا يحدث منذ ..1942 وكان وزير الشئون الاجتماعية اسمه المرحوم عبدالحميد عبدالحق باشا في وزارة الوفد.. وكانت العملية اسمها "معونة الشتاء".. وكانت تحدث كل سنة.. وكانت تبدأ قبل حلول الشتاء بشهر علي الأقل حتي لا يموت الناس من البرد قبل أن تصل البطاطين.
***
وتطورت الأمور فيما بعد.. وكان هناك ما يسمي "بقطار الرحمة".. كانت القيادة والتنظيم لتحية كاريوكا.. الناس في الشتاء البارد لا تحتاج لبطاطين فقط.. مطلوب معاطف ثقيلة للخروج وملابس صوفية حتي وصلنا إلي أكياس العدس وشوربة العدس!!
كان القطار يقف في كل المحطات.. حتي المحطات الرملية التي لا يقف فيها "القطار القشاش".. وهناك كلمة مشهورة لمصطفي النحاس باشا.. كان يقول: القطار يقف في البلاد التي بها محطات والتي ليس بها محطات!!.. يلقي القطار "رزمة" كبيرة مربعة لا تقل عن متر ونصف * متر ونصف مربوطة بسيور حديدية بدلاً من الحبال ليقوم ضباط المنطقة بالتوزيع تحت إشراف وزارة الشئون الاجتماعية.. توقف القطار عام ..1952 كان آخر قطار يركبه الرئيس الأسبق محمد نجيب.. نزل بعد كذا محطة حيث كانت تنتظره سيارته!! كانت تحية كاريوكا تجمع أموالاً لا حد لها وهناك لجان لشراء كل شيء لتوزيعه علي "رزم" عديدة.. يتم رميها في كل المحطات.
***
مازلت في انتظار رأي الرجل الفاضل وزير الأوقاف.. لأن صناديق النذور وصناديق الزكاة في كل المساجد تجمع مليارات.. خاصة في مساجد أهل البيت وبعض المساجد الأخري.. فكر عبدالناصر ذات يوم في مصادرة هذه المبالغ الضخمة من أجل مشروع قومي كبير يفيد البلد كله.. ثم عدل عن الفكرة.. وهذا موضوع آخر مهم.