مى عزام
نظام “صَبَّح على مصر بفضيحة”
(1)
من منا يكون بكامل ملابسه فى الحمام أو المرحاض؟
ماذا لوقرر شخص أن يزرع كاميرا صغيرة فى حمام أحد مشاهير المجتمع، وصور هذا الشخص وهو يستحم، أو فى أثناء جلوسه على قاعدة المرحاض، بالتأكيد سيكون الأمر مقززا لكنه مثير للفضول، ولو تم تسريب هذه الصور ستجد مشاهدات بالآلاف فى ساعات قليلة على يوتيوب، حتى لو كان بطلها شخصية من الدرجة الثالثة فى سلم النجوم، فما بالك لو كان التسريب يخص نجم مثل: عمرو دياب او هيفاء وهبى ،وبالتأكيد سيجنى المتجسس ثروة صغيرة، وسيناله جانبا من الشهرة، لكنها شهرة الغوانى والمجرمين.
(2)
الفرق بين المصور الصحفى والبابارتزى، أن الأول يعلن عن نفسه وهو يقوم بعمله، لكن الثانى فعمله لا يتم إلا في الخفاء متجسسا على المشاهير ليلتقط لهم صور فى أوضاع تشينهم وتكسر صورتهم ليرتزق من بيعها لصحف الفضائح. التجسس ليس فعلا جديدا، كل الأجهزة الاستخبارتية والأمنية فى العالم تفعل ذلك لأسباب عديدة ومعروفة، حين فضح سنودن المخابرات الأمريكية وكشف عن تجسسها على حلفائها الأوروبيين وكيف أنها تتنصت على هواتف الزعماء، أحرج ذلك الإدارة الأمريكية، الجميع يعرف أن يد السى آى ايه “طايلة”، ولكن الإعلان عن ذلك من شخص من داخلها هو المشين، ولقد اعتبرت أمريكا سنودن خائنا، ففرق كبير بين التجسس سرا والإعلان عن ذلك بل الزهو بهذا الفعل المخجل.
(3)
المصيبة الكبرى فى دولة مثل مصر، ان تفتخر وتجاهر بأن أجهزتها الأمنية تتنصت على مواطنيها وتسجل مكالماتهم الشخصية، ولا تكتفي بذلك بل تذيع تلك المكالمات التي سجلتها في وسائل إعلام مصرية معروفة بولائها للنظام الحاكم الآن، رغم أن الرئيس نفسه كان ضحية لهذا الأسلوب الرخيص ،وتم إذاعة تسريبات له نالت من صورته فى الشارع المصرى وأدت لجفوة مع بعض دول الخليج، فكيف لمن ذاق الكأس المسموم، أن يوافق على أن يحدث ذلك في عهده وتحت ناظريه وهو يحدثنا دائما عن الأخلاق والقيم، تحت أى مسمى أخلاقي يمكن أن ندرج التنصت على البرادعى أو غيره، وأنا لا أدافع عن البرادعى لشخصه، ولي عليه مآخذ كثيرة، لكن أدافع عن حق المواطن أن يأمن فى وطنه على خصوصيته وأسراره التى يكفلها له القانون، فلسنا في غابة من يمتلك فيها السلطة والقوة يفضح معارضيه ويجرسهم.
(4)
لعل أحد الداعمين للرئيس يبرر أن التنصت على البرادعي ونشطاء يناير الخونة كما يطلق عليهم مجموعة إعلامي النظام، مسألة أمن قومى، ولابد من فضحهم أمام الجماهير، ليدركوا كيف أنقذهم السيسى من الهاوية التى كانوا سيقودونا إليها، لو استمروا فى مخططهم الشيطانى التآمرى، فهم جميعا ليسوا سوى طالبي سلطة ولا يهمهم الشعب كما ذكر أحمد موسى.
لو طبقنا ذلك على تسريبات السيسى فى حديثه لياسر رزق، حين أطلعه على حلمه القديم الذى شاهد فيه الرئيس السادات وهو يبشره برئاسة مصر، ألا يمكن تأويل ذلك بأن السيسي أيضا طالب سلطة، وأنها كانت هدفه وليس مصلحة الشعب أو خير مصر.
(5)
ما حدث من تسريبات لمكالمات الدكتور البرادعي خطأ كبير، ولابد أن يراجع السيسي ومعاونيه مكاسب وخسائر هذا التسريب، فالتشهير من أحط الوسائل التى يمكن أن تُستخدم ضد المعارضين، عموما لدى عدة تساؤلات تخص هذه التسريبات التي يرجع تاريخها لفترة حكم المجلس العسكرى بعد ثورة يناير: هل كان المشير طنطاوى وأعضاء المجلس على علم بها أم لا؟ السيسى كان أحد أعضاء المجلس العسكرى، ومن صناع القرار بعد 3يوليو، كيف وافق وهو وزير دفاع أن يكون جزءا من نظام حكم يشغل فيه البرادعي منصب نائب رئيس الجمهورية فى الفترة الانتقالية، رغم أن الأخير كانت له شروط غير منطقية ذكرها الصدوق مصطفى بكري أكثر من مرة فى الإعلام وهى: أن يكون موكب البرادعى مثل موكب رئيس الجمهورية، وأن يقيم في قصر القبة،وأن يكون مصروفه اليومي 10 آلاف جنيه، ولم نعرف من بكري هل تم تنفيذ شروط البرادعي أم أنها رفضت؟، والسؤال الأهم بعد هذا كله: كيف تم اختيار البرادعي ليكون جزءً من المرحلة الانتقالية بعد عزل مرسي وعليه كل تلك المآخذ والتسجيلات؟، أم أن السيسى استخدم البرادعي كوجه مقبول فى الداخل والخارج لتنفيذ خارطة الطريق حسب مبدأ مكيافيلي: “الغاية تبرر الوسيلة”؟.
(6)
لماذا الآن؟
لماذا الآن يتم إذاعة مكالمات يعود تاريخها لعام 2011 بعد ثورة يناير؟، أعتقد أن هناك أسباب عدة، منها استباق حديث البرادعى التليفزيوني الذى تم الإعلان عنه على تليفزيون العربى، كما أن 2017 عام انتخابى، ولابد من تشويه الأسماء التى شاركت فى الثورة بلسان البرادعي نفسه، وهذا يحقق الهدف ضرب عصافير كثيرة بحجر واحد .
(7)
كشف المستور سلاح ذو حدين،فهو إنذار للشخص الذى يتم التشهير به بأن هناك أوراق ضغط كثيرة تحت يد الأجهزة، وهى ترسل له رسالة مختصرة”لم نفسك “، ولكن في المقابل استعمال هذا السلاح بكثرة واستهتار يفقدالنصل حدته، ويوما بعد يوم يتقبّل الجميع فرضية التنصت والتشهير، ويصبح العبء على من يراقب وليس المُراقب، الفضائح تتحول إلى خبر ما يلبث أن يُنسى ليأتى خبر آخر يشغلنا … التسريبات الأخلاقية المشينة لترامب لم تجعله يخسر الانتخابات.
وأختم بعبارة لمكيافيلى يقول فيها: “من أراد أن يطاع فعليه أن يعرف كيف يأمر”.