4 أيام مرت على بدء إذاعة المخبر أحمد موسى لمكالمات الدكتور محمد البرادعي نائب رئيس الجمهورية السابق مع عدد من الشخصيات العامة، منهم رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الأسبق الفريق سامي عنان، دون أن تتحرك أي جهة في الدولة، سواء بفتح تحقيق لمعرفة المسئول عن تسريب تلك المكالمات وتقديمه للمحاكمة، أو حتى لوقف إذاعة باقي محتوى “الفلاشة” التي تلاقها صاحبنا من ضابط غرفة التحكم.
التجسس على السياسيين وتسجيل مكالمتهم ليس بدعة مصرية، فمعظم الأجهزة الأمنية في دول العالم المتقدم والمتخلف تمارسها لكن وفق قواعد تم التوافق عليها قبل عقود، القاعدة الأهم في التعامل مع المواد المسلجة هي دفنها في بئر الأجهزة المظلم، وعدم إخراجها إلى النور إلا بضوء أخضر من أعلى
سلطة سياسية في الدولة.
عندما انقلب ضباط “الكنترول” في مصر على تلك القواعد نهاية الستينيات من القرن الماضي، واستخدموا مشاهد جنسية جمعت سياسيين وفنانات على فراش المتعة في عمليات ابتزاز واسعة طالت دبلوماسيين أجانب، تمت الإطاحة بهم وبقيادتهم في الجهاز، وصدرت ضدهم أحكام بالسجن بعدما أحالتهم جهات التحقيق إلى محكمة الثورة، فيما عرف حينها بقضية “إنحراف جهاز المخابرات”.
بطل المهمة «كونترول»، الرائد محمد صفوت الشريف، أو العميل موافى، والذي حكم عليه بعامين سجنا فى تلك القضية، مارس هواية التصوير والتسجيل والابتزاز بعد خروجه من السجن في أكثر من موقع بدء من جهاز الاستعلامات آبان حكم السادات، مرورا بحمله حقيبة الإعلام في عهد أبو علاء، ثم ترأسه مجلس الشورى الذي تم حله تزامنا مع خلع مبارك.
كانت المواد المسجلة في العقود الساحقة تستخدم في “ابتزاز” المعارضين وإخضاعهم، لكنها لم تصل إلى مخبري مدينة الانتاج الإعلامي، لعرضها على الهواء للتشهير بأصحابها والشوشرة عليهم أو الإيقاع بينهم وبين رفاق النضال، ذلك أن كهنة الأنظمة السالفة كان لديهم حسابات وموائمات يتقاطع فيها السياسي مع القانوني.
في جلسة جمعتني بعدد من الكتاب والسياسيين قبل ساعات اقترح أحدهم أن يتقدم كل من وردت أسمائهم في تلك التسريبات المذاعة ببلاغين يقدم الأول للنائب العام والثاني للمدعي العام العسكري، استنادا إلى نص المادة 57 من الدستور التي تنص على أنه «للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التى يبينها القانون، كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين فى استخدام وسائل الاتصال العامة بكل أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفى، وينظم القانون ذلك».
أحدهم وهو قانوني بارز أكد أن القضية لو بدأ التحقيق فيها ستطيح بعدد ليس قليل من قادة الأجهزة الأمنية، وسيحالون هم والمتعاونين معهم إلى المحاكمة لتجاوزهم القانون الذي يحظر التسجيل للمواطن الإ بمناسبة اتهامه في جريمة وبإذن قضائي، مشيرا إلى أن مواد قانون العقوبات تعاقب بـ”الحبس كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، واسترق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة محادثات جرت فى مكان خاص أو عن طريق التليفون، فى غير الأحوال المصرح بها قانونا أو بغير رضاء المجنى عليه”، كما تعاقب كل من أذاع وسهل إذاعة تلك المحادثات.
واقترح القانوني أن يوقع على البلاغين 100 شخصية عامة، حتى تتحرك جهات التحقيق، وهو ما رد عليه كاتب صحفي قائلا: “الأمر مرهون بالإرادة السياسية للنظام، هل النظام الذي يدوس على مواد الدستور والقانون بالأحذية، والذي سهل خروج تلك التسجيلات من بئر الأجهزة للنيل من معارضيه سيسمح بتحريك القضية؟”.
وأشار الكاتب إلى أن تلك التسجيلات كانت في عهدة الجهاز الذي كان يترأسه حينها اللواء عبد الفتاح السيسي، حيث تم تسجيلها عقب خلع مبارك، وحل ذلك الجهاز حينها محل معظم الأجهزة الأمنية التي كانت تشرف على “الكونترول”، وخروجها الآن للشوشرة على البرادعي تم بضوء أخضر من “الاتحادية”.
لن يحال المتورطون في فضيحة “التسريبات” إلى المحاكمة لأن التحقيق الجاد قد يكشف تورط رؤوس كبيرة أكبر من قدرة جهات التحقيق على استدعائهم وسؤالهم، ومع ذلك مجرد التقدم ببلاغين وما يصحابه من جدل إعلامي قد يوقف إذاعة مكالمات جديدة تنتهك حياة المواطنين الخاصة، كما سيساهم في تعرية نظام دهس الدستور والقانون.