الصباح
سليمان جودة
رهان تل أبيب
تبعث الأنباء القادمة من قطاع غزة، قبل أيام، على الفرح بقدر ما تبعث فى الوقت نفسه على الأسى
تبعث على الفرح لكل إسرائيلى
وتبعث على الأسى لكل فلسطينى، ثم لكل عربى من وراء الفلسطينى
وكان القطاع قد احتضن مؤتمرًا يحتفل بمرور ٥٢ عامًا على تأسيس حركة فتح، وبدء نضالها الممتد فى سبيل القضية، وعند بداية المؤتمر تصارع الموجودون على التواجد فوق المنصة، وكانوا طرفين: طرف يتحمس للرئيس محمود عباس، وآخر يميل إلى محمد دحلان، عضو الحركة، ورئيس جهاز الأمن الوقائى الفلسطينى السابق. وكان كل طرف منهما يرى أنه الأحق بصعود المنصة وحده، والتواجد فوقها، والسيطرة عليها دون غيره، مع أن غيره هذا فلسطينى مثله تمامًا، ومع إن همّ القضية بينهما سواء أو هكذا نفترض!.. وكان المتوقع، بل الطبيعى، أن يقع الصدام بينهما، وهو ما حدث فعلاً، فقامت بين الطرفين معركة كبيرة، بالعصى، وبأشياء أخرى، أدت فى النهاية إلى سقوط ١١ مصابًا، قيل إن واحدًا منهم فى حالة خطرة.
الموضوع بالطبع له خلفية قريبة، وخلفية بعيدة معًا، ولا يمكن الكلام عنه على أنه ابن يومه، أما البعيدة فهى أن حديثًا يدور منذ فترة عن أن دحلان يجهز نفسه، وتجهزه أطراف إقليمية، وربما دولية، لخلافة الرئيس عباس، وهى مسألة تواجه معارضة ليس فقط من الرئيس نفسه، وأنصاره، ولكن من تيار عريض من الفلسطينيين فى الضفة أو فى غزة نفسها.
وأما القريبة فهى أن حركة فتح قد عقدت مؤتمرها السابع فى الضفة، قبل نهاية العام الماضى، وكان موضوع خلافة عباس من بين الموضوعات التى كانت تخيم على أعمال المؤتمر، طوال فترة انعقاده، فلما انفض، تبين أن الانشغال بالإعلان فيه عن التأييد للرئيس، كان هو الموضوع الغالب، ثم تبين كذلك أن عباس قد أقصى معارضيه منه، وأبعدهم عن حضوره، بمن فيهم طبعًا، بل فى مقدمتهم، المتحمسون لمحمد دحلان.
ويبدو أن الإخوة المبعدين قد أسرّوها فى أنفسهم، وأن بعضهم قد وجد فى مؤتمر غزة فرصة مواتية للرد، ولاسترداد الحق، ليبقى فى النهاية أن ما ظهر للكافة خارج فلسطين، فى المناسبتين، سواء فى الضفة، أو فى غزة، أن التنافس، ومن بعده الصراع، إنما هو على السلطة، وعلى النفوذ، لا على القضية، ولا على نصرة القضية.
لا أحب التعميم فى أى قضية، وليس من المناسب بالتالى، أن أرمى كل أنصار أبومازن، أو كل مؤيدى دحلان، بأنهم متكالبون على المكاسب فى الحالتين، ففيهم بالقطع مخلصون للقضية على الجانبين، ولكنى أتكلم عما وصل الناس، وعما كان موضع تركيز الإعلام، وعما يمكن أن يترسخ فى الأذهان فى كل حالة منهما على حدة.
أتكلم عن أننا كنا نتمنى أن نغمض أعيننا، ثم نفتحها، فإذا فتح وحماس جبهة واحدة، لا جبهتان بأى حال.. كنا نتمنى هذا، وننتظره، ونترقبه، فإذا ما ننتظره، وما نترقبه، نوع من السراب !
كنا نتمنى هذا كله، وننتظره، ونترقبه، ونتوقعه، لأن فيه صالح القضية بغير شك، ولأن الجانب الإسرائيلى كان، ولا يزال، يراهن على هذا الانقسام
كان الجانب الآخر يراهن مدى الوقت، على أن يبقى الفلسطينيون منذ نشأة حركة حماس، قسمين اثنين، فإذا بنا أمام أقسام ثلاثة: واحد يتبع الرئيس عباس، وآخر مع حماس، وثالث مع دحلان !
وقد كان الأمل، ولا يزال، أن يخيب الأقسام الثلاثة، ظن تل أبيب فيهم، وكان الأمل، ولا يزال، أن يكون الولاء للقضية، لا للمكاسب وراء القضية !.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف