وسط واقع اقتصادي مأزوم يعاني تأثيراته غالبية المواطنين. تطالعنا الصحف والفضائيات بإعلانات مستفزة. تثير الغيظ. عن الشقة التي ندفع لها مئات الألوف من الجنيهات. والباقي علي ست سنوات. والكومباوند الذي يبعدك عن زحمة الغلابة بالعزلة الجميلة. والحديقة. وحمام السباحة. وكل ما يشعرك بهدوء النفس وراحة البال!
إعلانات تخاطب فئة محدودة للغاية من أبناء هذا الوطن. لا ألقي ظلاً علي مصادر أموالهم. فقد بدلت سنوات العمل في الخليج من التركيبة الاقتصادية للمجتمع. اهتزت الطبقة الوسطي أو ذابت. وصعدت طبقات. بينما تربعت طبقة جديدة في موضع متميز أعلي.
غابت الصورة التي وعدت بها ثورة يوليو. أفسد انفتاح السداح مداح كل شيء. صار عاليها واطيها. والعكس صحيح. زادت الطبقات الفقيرة بتلاشي غالبية الطبقة الوسطي. وبعد أن ظلت سيادة كبار الاقتصاديين منذ أفلحوا بانقلاب صامت علي النتائج الاقتصادية الايجابية لثورة 1919 في إزاحة طلعت حرب. الأب الشرعي للاقتصاد المصري الحديث. لبضعة عقود. في مجال الصناعات والأملاك الزراعية والعقارات والتصدير والاستيراد من خلال أسماء عبود وفرغلي وأبورجيلة والوكيل وغيرها. فقد أفرز انفتاح السداح مداح بديلاً مغايراً يستهدف الربح. بصرف النظر عن الوسائل. وحين قامت ثورة يناير. فإنها استهدفت إسقاط الحاكم وإزاحة من أتاحوا له الديكتاتورية. وفي مقدمتهم رجال الأعمال الذين لم يقصروا فسادهم علي المجال الاقتصادي. بل امتدت الممارسات السيئة إلي قمة الحياة السياسية.
قبل أيام من احتفالاتنا بالذكري السادسة لثورة يناير. تصدم أعيننا أحدث الإعلانات المستفزة. أسعار تحدد 295 جنيها سعر وجبة السمك الفيليه خصم الجنيهات الخمسة حتي لا يجاوز المبلغ حاجز الثلاثمائة ووجبة السمك البوري 311 جنيها. ووجبة الجمبري 417 جنيها. والجمبري مع البوري 438. ووجبة السمك والكليماري ــ أقسم أنني أكتب التسمية دون أن أعرفها ــ 296 جنيها. إلخ.
معظم المواطنين ــ كما تعلم ــ يعانون ندرة الطعام الرئيسي : الأرز والسكر والزيت. وما كانوا يقضون به مثل الفول والعدس لم يعد كذلك. وهو ما يقابله الاستفزاز الذي يطفح به هذا الإعلان. وغيره مما تطالعنا به الصحف والفضائيات. كأنها تخاطب سكان كوكب آخر!
أما لماذا توقفت أمام إعلان الأسماك. فلأن بلادنا زاخرة بالثروة السمكية من إطلالتها علي البحرين المتوسط والأحمر. والكثير من البحيرات. فضلا عن أسماك النيل. ومن الإنجازات المهمة التي شاهدناها مؤخرا علي شاشة التليفزيون مزارع سمكية تضيف إلي ثروات النهر والبحر والبحيرات.
لا أعرف. إلي أين يتجه هذا الإعلان؟
أكتفي بالقول إن أصحاب الإعلان يجب أن يفطنوا من خلال مخاطبتهم لقارئ الجريدة اليومية إلي أن الوجبة الواحدة من سمكهم اللذيذ تبتلع الكثير من رواتب غالبية قراء الجريدة.
وليرحمنا الله!