المرحلة العمرية للشباب دائماً هي مرحلة محورية في مراحل نمو الثروة البشرية وتحتاج إلي معاملة خاصة جداً لأنها تتميز بالتغيرات البيولوجية والنفسية والاجتماعية المتباينة. كما تتميز بالنمو غير المتناسب نفسياً الذي يتأرجح ما بين الطفولة والمراهقة والرجولة. لذلك فهي مرحلة حرجة لها خصائص الانفعال والاحترام والميل إلي تجريب كل ما هو جديد وإثبات الذات.. ولو سألنا أنفسنا هل نحن في حاجة لمراجعة السياسات الاجتماعية الموجودة لمكافحة المخدرات طلباً وعرضاً؟ لكان الجواب بنعم لأن مشكلة التعاطي والإدمان والمخدرات قد تفاقمت تفاقماً كبيراً.. وانعكس ذلك في زيادة عدد المتعاطين والمدمنين وهو الأمر الذي تأكد من خلال النظرة الضيقة لمشكلة المخدرات والإدمان علي أساس انه سلوك غير سوي ومنحرف.. وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع هذه الرؤية الضيقة فإن هناك حقيقة واقعة لا يمكن تجاهلها وهي ان خطورة هذه المشكلة تكمن في تأثيرها المدمر الذي لا يقتصر علي المدمن فقط من حيث صحته وخصائصه النفسية وقدرته الفكرية والانتاجية بل تمتد لتشمل الأسر جميعها وأمن المجتمع وثروته البشرية ولذلك فنحن في حاجة إلي إعادة قراءة في برامج التوعية والتثقيف للسياسات الاجتماعية وبرامجها المتركزة حول التوعية والتثقيف بأخطار التعاطي وإدمانها في خلق قاعدة معرفية لم تكن موجودة من قبل تؤكد علي الخطر الداهم للإتجار والتعاطي والإدمان سواء علي مستوي الفرد أو المجتمع لأن ذلك يؤثر علي الثروة البشرية والأمن القومي للبلاد وقيم العمل والانتماء والسؤال الذي يطرح نفسه هل تكفي هذه القاعدة المعرفية لمكافحة جرائم المخدرات ومواجهتها سواء بالتعاطي أو الإدمان أو الإتجار؟ بالطبع لا وأكبر دليل علي ذلك هو المعدلات المرجو تحقيقها في مجالي خفض العرض والطلب علي المخدرات ولم تتحقق. بالإضافةإلي القاعدة المعرفية إلا الآن لم يتم توظيفها في تغير الإدراك والاتجاهات والسلوك الرافض لتعاطي المخدرات وهو الأمر الذي يؤدي إلي تأرجح وعدم ثبات اتجاهات الأطراف المعنية بالمواجهة من "مجتمع ـ أسر ـ شباب" وهو ما يخلق غالباً حالة من عدم التوازن بين تكلفة برامج المكافحة والوقاية والعلاج بكل معانيها وبين العائد من ورائها!!
ولا يمكننا أن ننسي ان المخدرات نشاط اقتصادي عالمي لفئة ما تعتمد علي العلم والتكنولوجيا وينتهج اسلوب دراسات الجدوي في مشروعاته الهامة ساعياً دائماً إلي تطبيق الجديد بهدف الإبداع والتجديد والابتكار لتنمية أنشطته الاقتصادية. في حين ان غالبية برامج التوعية غير متجددة سواء في المعالجة أو المواجهة وهو ما أدي إلي عدم فاعلية تلك البرامج وضمورها أمام خطر الإدمان والشباب دائماً هم الفئة المستهدفة أضف إلي ذلك عاملاً اجتماعياً افتقده الشباب اليوم ويعتبر مرجعية لأي مأزق في الماضي مثل "الأسرة ـ المدرسة ـ النادي ـ الحزب ـ المؤسسة الدينية" بالإضافة إلي الفجوة التي تسببت فيها العولمة التي ساهمت في انعزال الشباب واتخاذ مرجعيات خاطئة. بالإضافة إلي أن مخططي هذا النشاط الأسود رأوا في شباب اليوم ضالتهم المنشودة لترويج سمومهم واعتبروا الشباب الزبون الأول لسوق البضاعة الممنوعة فسعي بكافة الطرق لجذب هؤلاء والسيطرة عليهم أكثر من أسرهم ذاتها التي تغيبت عن المعطيات الجديدة بإيجابياتها وسلبياتها بل ان بعض تلك الأباطرة سيطر علي العديد من الدول من خلال شبابها ولهذا فالمواجهة صعبة وليس الحل الأمني فقط هو الحل بل ضرورة ترقي وسائل المعرفة والاتصال مع هؤلاء الشباب لأننا دولة فنية وقاعدة هرمها من الشباب البالغ تعداده 65% من عدد السكان فعلينا إذن بنظرة شاملة تتضمن كافة المؤسسات وفي مقدمتهم الأسرة باعتبارها رمانة الميزان لصلاح الفرد منذ البداية.