عزت ابراهيم
تنبؤات فى أدراج المخابرات
قبل انتخاب دونالد ترامب رئيسا كان مجلس الاستخبارات الوطنى الأمريكى يقوم باعداد دراسة موسعة عن اتجاهات السياسة العالمية والنظام الدولى فى السنوات الخمس المقبلة وفى المدى القصير على وجه العموم تحت عنوان اتجاهات عالمية: تناقض التقدم وهو تقرير يجرى أعداده كل أربع سنوات، وكشفت مجلة أتلانتك الأمريكية عن مضمون التقييم الذى لا يرتبط بشخص الرئيس الأمريكى ولكنه يقدم قراءة للواقع الدولى ويبشر بنهاية النظام القائم على القواعد المعمول بها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ومجلس الاستخبارات الوطنى NIC هو وحدة تابعة لمكتب مدير الاستخبارات الوطنى الأمريكية. يستمد التقرير من مجلس الاستخبارات الوطنى أهميته، وربما شهرته، من تقرير الاتجاهات العالمية 2015 الذى صدر فى عام 2000 وتوقع عددا من التطورات الحالية على الساحة الدولية ومنها الهجمات الالكترونية والقرصنة على الدول وتوسع نفوذ روسيا فى محيطها وتصاعد الارهاب فى الشرق الأوسط والضغوط السكانية والاضطرابات الاجتماعية والتطرف الديني. الفوضى العالمية الحاصلة اليوم دفعت فريق العمل الى التوقف عن وضع سقف زمنى لأحدث التقارير حتى لا تبدد الأوضاع المتقلبة فى السياسة الدولية مصداقية التقرير ومن ثم قررت الوكالة المشرفة عليه الاكتفاء بفترة خمس سنوات هى فى الغالب تمثل السنوات الأربع لحكم ترامب فى البيت الأبيض وما يليها من تأثير أو مؤشرات. وقد رفع المجلس التقرير الى مستشار الأمن القومى الجديد مايكل فلين وفى انتظار ملاحظاته والتى لم تصل بعد!
وبغض النظر عن التركيز على وضع القوة الأمريكية فى السنوات والعقود القادمة التى يتوقع أن تتراجع الا أن مسألة غياب القواعد عن النظام الدولى باتت هاجسا مقلقا فى ظل عوامل ضاغطة أهمها الاقتصاد العالمى المضطرب فى ظل غياب روح التعاون بين الدول الرئيسية التى يرى المحللون الأمريكيون فى التقرير المهم أنها سوف تتجه الى خلق مناطق نفوذ اقليمية متنافسة فى الأعوام القادمة حيث سيكون التصور عن عالم أكثر قتامة فى الأعوام الخمسة القادمة يشهد زيادة فى عدد سكان العالم وتراجعا فى الدخول وتقدما أكبر فى وسائل التكنولوجيا والاتصال بما يجعل مساحات الغضب فى أوساط الجماهير قابلة للتمدد عما هى عليه اليوم نتيجة التوسع الكبير فى قنوات التواصل الاجتماعي.
السؤال: كيف نستوعب مثل تلك الدراسات وقدرتها على قراءة المستقبل؟
تقديرات الخبراء تشير الى أن مطلع عقد العشرينيات من القرن الحادى والعشرين سوف يشهد نمواً فى رغبة الصين وروسيا وايران فى لعب نفوذ أكبر نتيجة تراجع دور الولايات المتحدة بسبب السياسات الداخلية المنقسمة وبالتالى بحلول منتصف العقد القادم ستكون الرغبة أقوى لدى تلك القوى الاقليمية لتأكيد نفوذها السياسى والاقتصادى والأمني. كما أن الاتجاهات تقول إن الأفراد المؤثرين والجماعات خارج الدولة أكثر قوة مما تكن عليه فى السابق وهو ما يجعل الوصول الى إجماع أو للتحرك فى العمل الجماعى صعبا للغاية. هذا الانتشار للاعبين على المسرح الدولى والتقدم فى تكنولوجيا المعلومات يزيد من قوة أصحاب »الفيتو« فى القضايا الدولية ويخلق حقائق جديدة ويقوض التفاهمات الممكنة بين المجتمعات. وحسب مجلة »أتلانتك« قامت المجموعة المكلفة بالتقرير بزيارة 36 دولة ومنطقة وأجرت مشاورات مع خبراء من داخل الحكومة ومن خارجها. وأشارت استخلاصات التقرير الى التوقعات فى الولايات المتحدة وخارجها تشير الى بطء النمو الاقتصادى العالمى وستصبح الهند الدولة الأكثر نموا فى السنوات الخمس القادمة.
توقع التقرير زيادة تهديد الارهاب مع وجود تقلبات فى نطاقات انتشار الارهاب الذى تقف وراءه جماعات دينية ويهمنا أن نعرف أن التقرير الأمريكى »الاستخباري« يشير الى صعود فى القومية الدينية العنيفة مع زيادة الانقسام بين السنة والشيعة، على الأرجح، فى المدى القصير ولن يتوقف الشرخ الكبير بين الطرفين قبل عام 2035. كما أن القوميات ستشهد انتعاشة كبيرة كرد فعل على موجات الهجرة الأضخم منذ عقود وبسبب مساويء العولمة مما يزيد من الصراع بين الدول الى مستويات لم تحدث منذ الحرب الباردة.
وفى مواجهة غياب السقف الزمنى فى دراسة مجلس الاستخبارات الوطني، حدد التقرير ثلاثة سيناريوهات استرشادية للسنوات العشرين المقبلة من أجل توضيح كيف يمكن لطريقة معين فى اتخاذ القرار أن تؤثر على مسار الأحداث فى المستقبل: المدارات Orbits: تفاقم ظاهرة الوطنية والتكنولوجيات المدمرة تؤدى الى زيادة خطر الحرب وتدفع الكثير من القوى المتنافسة الى خلق مجالات للنفوذ.
الجزر Islands: اعادة هيكلة الاقتصاد العالمى يؤدى الى فترات طويلة من النمو المحدود أو من عدم النمو مطلقاً. وارتفاع الحمائية الاقتصادية كرد فعل على المطالب الشعبية الخاصة بالأمن المادى والاقتصادى يسفر عن تعاون أقل وعالم مفتت من الدول التى تحمى نفسها بجدران عازلة.
المجتمعات Communities: بتأثير التقدم فى صناعة تكنولوجيا المعلومات، قد تكون الحكومات المحلية والفاعلون فى القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية قادرة على تقديم خدمات أفضل من كثير من الحكومات المركزية وربما تزيد من قدرة المواطنين على المشاركة فى صنع القرار فى كل أنحاء العالم.
وقد حرك التقرير النقاشات فى اتجاهات مختلفة ووصف أحد المواقع المتخصصة فى التغير المناخى ما يجب أن تحركه تلك الدراسات فى عدد من الأسئلة:
< كيف يمكن اعادة التفاوض بين الأفراد والمجموعات والحكومات عن توقعات كل طرف من الآخر من أجل بناء نظام سياسى فى عصر تمكين الأفراد والاقتصاديات المتغيرة بشكل سريع؟
< إلى أى مدى يمكن لقوى الدولة والأفراد والمجموعات تصميم نماذج جديدة للتعاون والمنافسة العالمية؟
< ما هى درجة استعداد الأفراد والحكومات للتعامل مع القضايا العالمية المتعددة الأوجه مثل التغير المناخى والتكنولوجيا القادرة على تحويل المجتمعات؟
تلك تنبؤات وتوقعات من ادراج المخابرات المدهش فيها أنها تخفض سقف اليقين وتترك السيناريوهات مفتوحة بما يؤكد أن المستقبل لن يكون سهلا على الجميع!