وأقصد بالثلاثة: أوباما وهيلارى وهوما. والمشترك بينهم محاولة تدمير الحضارة فى القرن الحادى والعشرين. وأنا أكتب عنهم اليوم ليس فقط بمناسبة رحيلهم من البيت الأبيض بلا رجعة، إنما لأنهم صدى لمفكر مدمر من القرن الخامس عشر اسمه نقولا ما كيافلى المشهور بكتابه المعنون «الأمير» (1513). وقد احتفل به، بمناسبة مرور خمسة قرون على صدور ذلك الكتاب، أستاذ القانون الدستورى بجامعة متشجن بأمريكا «هج هِيوِت» الذى هو، فى الوقت نفسه، مشهور بسبب إذاعته حديثاً أسبوعياً يحظى بمستمعين فى مائة وعشرين مدينة أمريكية. أصدر كتاباً فى عام 2015 عنوانه الرئيسى «الملكة» وعنوانه الفرعى “ الطموح الملحمى لهيلارى وبزوغ عصر آلـ «كلينتون الثاني». ومن البيَن أن المقصود بـــ«الملكة» هى هيلارى كلينتون. والسؤال اذن: ما العلاقة بين «الأمير» و «الملكة»، أو بالأدق ما العلاقة بين ماكيافلى وهيلارى بعد مرور خمسة قرون؟ أو إن شئنا أن نكون أدق قلنا: ما العلاقة بين ماكيافلى وهذا الثلاثى المدمر؟ “ الأمير” المقصود، عند ماكيافلي، هو فخامة الأمير لورنز دى ميدتشى الذى كان على رأس أسرة حاكمة كانت قد نُفيت ثم عادت إلى الحكم مرة أخرى لإدارة جمهورية فلورنسا بايطاليا. والكتاب عبارة عن نصائح سياسية لكيفية إدارة شئون الجمهورية. وبدايته إهداء من ماكيافلى إلى ميدتشي، والغاية من الاهداء نقل خبرة ماكيافلى السياسية بما انطوت عليه من اضطرابات ومخاطر لكى يفيد منها ميدتشى مستنداً فى ذلك إلى علم السياسة وليس إلى علم اللاهوت لأن السياسة ليست فى حاجة إلى الله فى الممارسة العملية فى حين أن علم اللاهوت ليس ممكناً من غير تصور لوجود الله. السياسة اذن وليس اللاهوت هى التى يلزم أن تكون فى الصدارة. وعندما تكون كذلك فإنها لا تعبأ بالقيم الأخلاقية، بل عندما تكون فى الصدارة يأتى مفهوم الحرية على غرار آخر، إذ تكمن، فى هذه الحالة، فى القدرة على التحكم فى الشعب، وهى قدرة ممكن ممارستها عندما يكون الأمير موضع ثقة من الشعب لأن الشعب لا يعنيه فى نهاية المطاف سوى الحاكم القوى والشجاع والقادر على توحيده. ومن هنا لا يكون الأمير مشرعاً بل حربياً، بمعنى أن تكون الحرب صناعته الأولي، وبالتالى فإنه لن يكترث إذا اتُهم بالقسوة عندما يُلزم رعيته بالطاعة. أما بداية كتاب “ الملكة” فهى عبارة عن خطاب موجه من المؤلف إلى وزيرة الخارجية الأمركية السيدة هيلاري. وخاتمته جاءت على النحو الآتي: «فى سياق فكر» الأمير «وبالصراحة ذاتها».
والكتاب مكون من 45 فصلاً ولكن أخطرها الفصل الخامس حيث يقول هِيِوت “ إن هذا الفصل يلسع، ولهذا فأنا أظن أنك ستنبذيه ولكن من الأفضل أن تكون نصائحه موضع اقتناع منك”. أما عنوان الفصل فهو «هوما». والسؤال اذن: مَنْ هى هوما وما خطورتها؟
إنها هوما عابدين المسلمة التى انضمت إلى هيئة البيت الأبيض الملازمة لهيلارى باعتبارها السيدة الأولى فى زمن الرئيس كلينتون، وكان يقال فى حينها إن هوما هى «المرأة الحارسة لهيلاري»: ثم أصبحت نائبة الرئيس للهيئة المعينة لوزيرة الخارجية هيلاري. وقد دامت هذه العلاقة سبعة عشر عاماً. ولكن مَنْ يتطلع إلى صور هوما مع هيلارى يشعر بأنها الابنة الثانية لها بل والناصحة الأولى لها. والسؤال بعد ذلك: ما هى النصائح التى من الممكن أن تلقنها هوما إلى هيلاري؟
الجواب كامن فى مسار حياتها السياسية. فقد كانت تعمل لعدة سنوات فى مجلة تتبنى الدعوة القائلة بأن الايديولوجيا الاسلامية تقع فى أعلى أنواع الايديولوجيات، وأن هذه المجلة كانت ممولة من عبد الله عمر نصيف الذى هو أكبر ممول لتنظيم القاعدة. بل إن هوما اشتركت مع نصيف فى تحرير مجلة «شئون الأقلية الاسلامية» لمدة سبع سنوات. وكان والد هوما هو الذى جنَد نصيف لتحرير هذه المجلة فى المملكة العربية السعودية. وعندما مات والدها تولت زوجته وهى والدة هوما مسئولية تحرير المجلة، وكانت فى حينها على علاقة وثيقة مع الاخوان المسلمين وأنصار الجهاد الاسلامي، ومسئولة عن إدارة اللجنة الاسلامية الدولية للمرأة والطفل والتى تعمل تحت إشراف المجلس الاسلامى الدولى للدعوة والذى هو من مكونات «الاتحاد من أجل الخير» بقيادة الشيخ يوسف القرضاوى مفتى جماعة الاخوان المسلمين، وصاحب الفتاوى التى تدعو إلى قتل الجنود الأمريكان وإلى القنابل الانتحارية فى اسرائيل. واللافت للانتباه هاهنا أن أوباما كان قد استضاف نائب القرضاوى فى البيت الأبيض، وهو أيضا من مؤيدى فتاوى رئيسه.
وفى هذا السياق فإن مؤلف كتاب «الملكة» يلفت الانتباه إلى أن هوما كانت عضوة فى اللجنة التنفيذية لـــ «جمعية الطلاب المسلمين» بجامعة جورج وشنطن ورئيسة اللجنة الاجتماعية. وكانت لهذه الجمعية فروع فى عديد من الجامعات الأمريكية، بل كانت هى المؤسسة لحركة الاخوان المسلمين فى أمريكا الشمالية. ومعنى ذلك أن هذه المؤسسة كانت لها ايديولوجيا تبثها فى عقول الطلاب حتى يصبحوا أعضاء ملتزمين بالحركة، كما أنها تدعم «حماس» باعتبارها فرعاً من فروع الاخوان المسلمين.
وعندما زارت هيلارى مصر بوصفها وزيرة للخارجية طلبت من القائد العام للقوات المسلحة المشير طنطاوى والذى كان فى حينها حاكماً لمصر أن يسلم السلطة للبرلمان المحكوم بالاخوان المسلمين وللرئيس المنتخب محمد مرسي. وفى أكتوبر من عام 2011 أعلن محمد بديع المرشد العام للاخوان بأن تسليم السلطة بداية لتأسيس الخلافة الاسلامية.
وتأسيساً على ذلك كله يمكن القول بأن هذا الثلاثى المدمر هو الداعى إلى سيادة الخلافة الاسلامية على كوكب الأرض على نحو ما تراها الأصولية الاسلامية.