المصريون
جمال سلطان
الإرهابي المصري محمد أبو تريكة ؟!
عندما سمع الناس خارج مصر بتلك العبارة تعاملوا معها في البداية كما لو كانت من القفشات الساخرة المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي بالانترنت ، والبعض اعتبرها نكتة ، وأما في داخل مصر فكان الأمر أكبر من قدرة الناس على فهمه أو استيعابه ، حتى أنصار الرئيس السيسي ومؤيدوه أنفسهم ، وكثير من التعليقات على هذا الخبر كانت مصحوبة بشتائم عنيفة تكشف عن احتقانات نفسية وغضب عارم مما حدث ، فهناك حالة تحرش سياسي بالنجم الأكثر شهرة في مصر طوال السنوات الماضية ، وهناك إجراءات اتخذت ضده كشف القضاء نفسه بطلانها ورفع الظلم عنه غير أن ما حدث هذه المرة كان بشعا للغاية في عنفه . محمد أبو تريكة أكبر من كونه نجما كرويا أسعد الناس بفنون اللعبة ، فغيره كثيرون أعطوا وأخلصوا لفنهم وسجلوا أسماءهم في ذاكرة وطن بكامله ، غير أن أبو تريكة تميز بجاذبية أخلاقية واضحة ، هذا شخص يصعب أن تكرهه أو أن تتجاهل حضوره الأخلاقي والتربوي في زمن اهتزت فيه كثير من القيم والقدوات في ضمير الأجيال الجديدة ، جمع محمد أبو تريكة بين تبوأه قمة الفن الكروي بإجماع خبرائه وبين تبوأه قمة الأخلاق بين أترابه واستقامته ، وانحيازه لقضايا أمته التي جعلته رمزا شعبيا طاغيا في دنيا العرب من المحيط إلى الخليج ، عندما تضامن مع أهل غزة أيام العدوان الإسرائيلي الوحشي أو التضامن مع الشعور الديني الجارف بعد موجة تطرف في بعض العواصم الغربية تنتقص من كرامة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانت مواقفه وتضامنه العلني أمام شاشات التليفزيون التي تنقل المباريات إلى الملايين مثيرة للإعجاب الشديد ولافتة لتعليق وكالات الأنباء والصحف العالمية الكبرى ، هذا فضلا عن مهارته الكروية وقدرته على التركيز حتى آخر دقيقة ، وكم من مرة كانت أهدافه حاسمة في تتويج فريق ناديه أو فريق وطنه بالبطولات ، حتى أطلقوا عليه "تاجر السعادة" كما أطلقوا عليه أيضا "أمير القلوب" ، لانجذاب قلوب الملايين إليه من مشجعي جميع الأندية وليس ناديه فقط ، كما حقق هذا اللاعب العديد من البطولات الكبرى لنادية ولمصر رفعت من شأن وطنه وعززت حضور اسمه على أكثر من صعيد متوجا بالبطولات ومنحته قوة ناعمة إضافية لطالما كان نظام مبارك يتاجر بها وينسبها لنفسه من فرط إدراكه لأبعادها الداخلية والخارجية ، بل إن رئيس الجابون ، الدولة التي تشهد بطولة الأمم الأفريقية الحالية ، اختار أبو تريكة لكي يرسل له دعوة شخصية لحضور المباراة والحفل الختامي مع رؤساء الدول وكبار الضيوف المدعوين ، فإذا بالسلطات المصرية تقول أنه إرهابي ! . محمد أبو تريكة ضحية دوامات سياسية عصفت بمصر خلال السنوات الخمس الأخيرة ، وأبو تريكه لا يعاقب على تأييده لانتخاب محمد مرسي كما تقول بعض الأصوات ، فهناك أكثر من ثلاثة عشر مليون مصري وقتها أعلنوا تأييدهم لمرسي حسب نتائج الانتخابات المعلنة ، ولكن أبو تريكة يدفع ثمن موقفه من مذبحة بورسعيد وما جرى بعدها مع المشير طنطاوي ، البعض لا يريد أن ينسى له ذلك ، ويصرون على أن يدفع ثمن إهانته للمشير وتلميحه إلى مسئوليات البعض عما جرى في استاد بورسعيد ، رغم خطورة هذا الأمر شعبيا وسياسيا ، ولكن من الواضح أن إدارة الشأن العام في مصر لم تعد تعبأ بتلك الأبعاد ، وتمارس من الأخطاء السياسية الفادحة ما يعرضها للمزيد من الخسائر والنزيف في السمعة والتآكل في عدد المؤيدين لها ، كما أن التشنج في "شخصنة" بعض الخلافات وصلت إلى حد الإساءة على المؤسسة القضائية نفسها ، فعندما حكم القضاء الإداري ببطلان الإجراءات المتخذة ضد أبو تريكة وألغى التحفظ على أمواله سارعت الحكومة إلى الطعن على الحكم أمام محكمة أخرى غير مختصة وهي محكمة الأمور المستعجلة ثم ذهبت إلى محكمة للجنايات تحوطا من حكم للدستورية ينتصر لأبو تريكة ، هذا غريب جدا في عصبيته وتشدده ويجعلك تشعر كأنك أمام أحد مساعدي خليفة داعش وليس أمام هذا الرمز المصري الكبير . الحقيقة أن مصر وسمعتها وصورتها هي التي خسرت ـ أكثر ـ مما جرى مع النجم الكبير محمد أبو تريكة ، كما أن اتهامه بالإرهاب أساء إلى المعايير التي تتخذ في مصر لتصنيف الإرهاب أو تحديد من هو الإرهابي ، وهناك تحليلات موجودة الآن في الخارج والداخل تذهب إلى أن واقعة أبو تريكة تكشف أن الاتهام بالإرهاب أصبح مجرد أداة ضغط سياسي بلا ضابط موضوعي

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف