الوفد
علاء عريبى
عايزين حكومة حرة
أتذكر جيداً هذا اليوم 18 يناير 1977، منذ أربعين سنة، كنت في قطار أبوقير بمدينة الإسكندرية في زيارة أحد الأصدقاء، في طريق العودة فوجئنا بحجارة تلقى على القطار، توقف القطار ونزلت إلى الشوارع المحيطة، آلاف من الشباب والرجال يجوبون الشوارع يهتفون: «عايزين حكومة حرة العيشة بقت مرة»، قررت العودة إلى طنطا محملاً ببعض الحكايات، أقف وأتفاخر بمشاركتي في مظاهرة كبيرة، كنت في المرحلة الثانوية، لم أتم بعد الثامنة عشرة من عمري، هتفت معهم: العيشة مرة، لم أكن أعرف لماذا خرجوا، استمعت لبعض ما يقوله الشباب، فهمت أنهم خرجوا بسبب رفع الحكومة أسعار بعض السلع، تذكرت والدي وهو يقول: الدنيا غليت، هتفت بأعلى صوتي: عايزين حكومة حرة العيشة بقت مرة، انتبهت لبعض الأشخاص يقودون المتظاهرين، أحدهم كان طويل القامة، شعره مجعد وطويل، كان ينسق مع البعض في جهات أخرى من المظاهرة، بعض المتظاهرين كانوا يحطمون المحلات والسيارات، شاهدت بعض الأتوبيسات وهى تتهشم، وقفوا أمام كشك شرطة، تم تحطيمه عن آخره، وأشعلوا النار في سيارته، سمعت أحد الشباب يصرخ: إحنا بنحرق بلدنا، دى حاجتنا، خرج آخر صارخاً: مصر، مصر ، تحيا مصر، شعرت بقشعريرة وانهرت في البكاء، رددت خلفه الهتاف، غنينا: بلادي بلادي لك حبي وفؤادي، قوات الأمن تهاجم بقنابل مسيلة للدموع، سحابة من الدخان الحارق تغيم على الشوارع، النساء في الشرفات يهتفن ويلقين بمياه على المتظاهرين لحمايتهم من غاز القنابل، الهراوات والعصي تنزل على أجسادنا، ظهري يؤلمني بشدة من الضرب، نسيت بلادي ونسيت العيشة بقت مرة، انشغلت بالوجع والهروب، خفت من التوقف أشبع ضربا، كنا نجرى كالفئران في متاهة، دخلت إحدى العمارات رجلي اليمنى تؤلمني بشدة، كانت إحدى العلب الصفيح سقطت عليها، أكدوا لي ساعتها أنها القنبلة المسيلة للدموع، صرخ أحدهم العساكر جايين، خرجت من مدخل العمارة مفزوعاً، المئات يحطمون الرصيف ويقذفون الجنود بالحجارة، فكرت في الرحيل والاكتفاء بهذه الحكايات، أخذتني الزحمة إلى موقع في مواجهة قوات الأمن، الجنود يتقهقرون ويحتمون في الدروع، أحد الضباط يأمرهم بعدم إحكام الحصار، وطالبهم بترك منافذ يهرب منها المتظاهرون، تجدد الضرب بالهراوات، تلقيت واحدة لا أعرف من أين، جريت دون توقف، لا أعرف إلى أين أذهب، الشوارع متشابهة، جميعها معبأة بالأدخنة وصراخ وصيحات الشباب، الجميع يفر، والبعض يلقى بالحجارة على الجنود، كنا نتلقى الضربات ونحن نجرى فى فزع، بعضنا يسقط وتطؤه الأقدام، لم ينشغل الجنود بضبط من يقع بين أيديهم، انشغلوا بدفع الشباب إلى الهرب، الشوارع تحولت إلى متاهات، فشلت كل محاولاتى فى الخروج منها، الجنود والهتافات والفزع والحجارة والدخان، الشوارع تشابهت، كدت أقع على الأرض، اتكأت على أحد الشباب، فوجئت به يساعدنى ويضربنى بهراوة ويأمرنى بالهرب: "اجرى"، جريت وأنا أتمتم: مصر، مصر، العيشة بقت مرة، الدخان بدأ يتلاشى، والهتاف والصراخ أصبح يأتى من خلفى، الشوارع أمامى بدت خالية، ارتكنت إلى حائط، التفت حولى، أين الشباب والجنود والهتاف والصراخ والحجارة والقنابل المسيلة للدموع.
- سألت أحد المارة: محطة مصر؟
- قال: تحت يدك
نظرت للمبنى الذى أقف بجانبه، البعض يمر بحقائب، وصفارة القطار، دخلت إلى الرصيف، ركبت القطار المتجه إلى طنطا، في اليوم التالي سمعت «السادات» يصف المظاهرة: انتفاضة حرامية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف