البديل
مايكل عادل
مصريّة
الخرائط ترسمها اليابسة والمياه والدماء. استعمار يستخدم أفراد وأفراد يقاومون الاستعمار. سماء تطل فوق مرتفعات وسهول. وتراب تدور ذرّاته حول بعضها لتحمل روائح كل من مرّوا عليها لمئات وآلاف السنين. الوطن مفهوم بسيط. حنين لمكان وظروف وبشر. الوطن عوامل وظروف، حالة عاطفية مترعة بالشجن كُتب فيها ما كُتب من قصائد وبُذل من أجلها الكثير من التضحيات. الوطن مخلوق من تضحيات أجداد وآباء. الوطن حنين ومسئولية. أزمنة وأماكن تنادي الناس فيسيرون نحو مكان ما ويتمسّكون بما يحيط به من ملابسات وظروف وروائح ولحظات سعيدة ومُرّة وأحلام ذهب بعضها هباءً وبقي بعضها مؤجّلاً وتحقق منها البعض. أجيال تتوارث هموم وأفراح ومزاح وبكائيات وأسلوب للتعبير عن النفس.
لن يعيد هؤلاء تعريف الوطن. الحقراء لا يستحقّون البقاء على صفحات التاريخ والسفهاء أضعف من أن يزيحوا نقاط الخريطة قيد أنملة. أحلام الأبرياء وتواريخهم ليست أضحوكة للتندّر وأرضهم ليست ملك لأحد سواهم. لا توجد حقيقة على وجه الأرض يمكنها تغيير اليقين الراسخ في قلب بريء لا يشوبه طمع وأيادٍ نظيفة لم تتسّخ بما لا تستحق ولم تلطّخها دماء.
“ياما دقّت على الراس طبول” هي عبارة يستخدمها أبناء تلك الأرض التي ينوون بيعها. ولكن الطبول هذه المرّة أكثر حماقة ووضاعة، فهي تطبّل فوق رؤوسنا جميعاً لتعزف لحن المدح والترحاب بأكثر الأفعال عدوانية وغشم. الأرض تباع، ولا يوجد مصطلح أدق من ذلك. فهناك من يدّعون أن دولتهم التي أُقيمت منذ أقل من مئة عام، لها الحق في الحصول على أرض لأقدم دولة في تاريخ الإنسانية. عبث مثير للضجر وخسّة الفعل هنا تكمن فيمن ينتسبون اسماً لأصحاب الحق بينما يأخذون على عاتقهم مهمّة الدفاع عن الباطل ببخس الثمن.
نحيا في زمن تقف فيه حكومات أمام شعوب أفقرتها ومصّت دمائها في موقف البائع، بينما يقف شعب لا يجد ثمن الدواء موقف المُشتري لمُلكه الذي يجتذبونه من تحت أقدامه ليقدموه لمن لا يستحق ولا يجسر أن يدّعي الاستحقاق.
زمن عجيب امتلك فيه البعض الشجاعة لتأليف الكتب للتنظير للخيانة وتمرير الخبائث وغسل أدمغة الناس للتفريط في حق لا يقدّر بثمن. مخططات يجري تنفيذها على قدم وساق بكافّة الطرق ومن كل الجهات بينما يتصدّى لها الشعب وحده بصدرٍ عارٍ دون دعم أو غطاء. عبث وحماقة وجهل كريه دفعنا للوقوف يوماً حاملين أعلام بلادنا أمام آخرين يتهموننا بالخيانة بينما يحملون أعلام دولة تريد سلب أرضهم التي دفع السالفون فيها دماء وأرواح وحيوات كادت أن تتم وتُستأنف، دفعوا أحلام لم تكتمل وأُسر تحطّمت قبل أن تقوم وها هي الأحلام تُباع مع الأرض والحقوق تُستبدل باستهزاء المنافقين بكل قيمة ومعنى للحياة.
سننتصر، حتماً سننتصر. ولكنه نصر في اتجاه المربّع صفر. نصر بطعم غريب، نصر أمام أعداء مبهمين، يعيشون معنا تحت أسقف واحدة ونلقاهم بصفة يومية كالمفروضين فرضاً علينا.
سننتصر لكننا لن نذق طعم النوم الهانئ بينما يوجد بيننا أمثال هؤلاء الذين قد نستيقظ يوماً لنجدهم قد باعونا بيعاً في أسواق الرقيق لأسيادهم. ليس بعيداً عليهم أي شيء، فتجّار الرائحة الكريهة محبّي السقوط والخيانة لا يُستبعَد أمر عليهم. سننتصر اليوم أو غداً أو بعد غد، ولكننا للأسف سنضطر لرؤية وجوههم القبيحة والتي لن تزيل هزيمتهم عنها صفة القُبح.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف