البديل
أحمد بان
تيران وصنافير مصرية.. من سيدفع الثمن السياسي؟
تجنبنا طوال شهور الحديث عن قضية تيران وصنافير وحقيقة تبعيتهما لمصر أو السعودية، وبعيدا عن حماسة من تحمسوا لتبعيتها للسعودية لأسباب معروفة، أو عن تحول الحكومة المصرية إلى محامي عن مصالح السعودية، أو احتقار الرأي العام المصرى والتعامل معه بالشكل الذي جرى، وبالرغم من أن القضية وطريقة التعامل معها ليست العنوان الوحيد لما نعانيه فى مصر من كوارث، عنوانها الحقيقى الدال هو ضعف فكرة تمثيل الحكومة أو النظام السياسى لمصالح الشعب أو رعايتها رعاية كاملة، وبعيدا عن حرصي الشخصي على تجنب الخوض فى القضية سواء بأى رأي أو تحليل انتظارا لحكم قضائي بات يقلب المسألة من كافة وجوهها ولا يستسلم لدعاية هنا او إدعاء هناك.
أرى أننا جميعا أن أمام لحظة الحقيقة العارية في مواجهة الحكم القضائى النهائي البات بمصرية تيران وصنافير، التى حاججت الحكومة المصرية ورأس النظام نفسه بأنها سعودية، بل وقدم بعض رجال الحكم لدفوعات وتبريرات فى سياق ذلك بأن عقد اتفاقية ترسيم الحدود هي من أعمال السيادة، التى لا يجب أن تمر عبر البرلمان أو القضاء فى محاولة لتمرير الأمر بعيدا عن إرادة بعض المؤسسات، التى أثبتت رغم مشاكلها أنها لا تخلو من الشرفاء الذين يبرز بعضهم من آن لآخر فى مواقف تقول أنه لازال فى هذا الوطن الذى يبدو كجثة هامدة تتراقص حولها الذئاب عروق تنبض بالحياة ،لتصيح وتسمع الجميع أن بامكان هذا الجسد أن يتعافى ليعكس حقيقة وقدر هذا البلد العظيم، وهو ما يطرح التساؤل حول مفهوم سيادة الشعب الذي يختزله البعض فى إرادة الرئيس أو إرادة الحكومة، التى نعرف جميعا أنه ليس لها إرادة أو تدبير بعيدا عما يريده أو يقرره الرئيس.
الحكم يضعنا مباشرة أمام الثمن السياسي الذي ينبغي أن يدفعه النظام، حيث حاول البعض كعادة كهنة الإعلام والسياسة فى مصر التلبيس على وعي الرأي العام المصري، بالحديث عن مسؤولية الحكومة عما جرى وضرورة أن تدفع ثمنا سياسيا لذلك بأن تتقدم باستقالتها، لأنها لم تكن أمينة على مصالح الشعب ومقدراته وفى القلب منها أراضيه، خصوصا إذا كنا نتحدث عن بقعة إستراتيجية يعد التفريط في السيادة عليها لونا من ألوان المقامرة بالأمن القومى المصري والعربي وتخل فاضح عن قدرات مصر وأقدارها التاريخية.
لا أتصور أنه ينبغى أن نخدع أنفسنا بالحديث عن سكرتارية الرئيس، أعنى الحكومة التي لا تملك من أمرها شيئا ودورها أن تتحول دوما إلى لسان ناطق بما يريده الرئيس، سواء بدا ما يريده مقبولا أو معقولا سواء مثل أولوية أم لا يعكس سوى لون من ألوان التفكير السطحي الذى يعكس ضعف التفكير والتدبير.
الرئيس تحدث بوضوح عن سعودية الجزيرتين، وأنها ليست من حقنا فهل ضللت الحكومة والأجهزة الرئيس وقدمت له أدلة غير كافية لتعزز شعورا غير صحيح بتبعية الجزيرتين للسعودية، فى هذه الحالة نحن أمام خيانة جماعية من كل أجهزة الدولة السيادية منها والعادية، وإذا كنا أمام سياق قدمت فيه تلك الأجهزة كافة المعلومات والوثائق التى تثبت أنها مصرية فضرب الرئيس ومعه الحكومة بكل ذلك عرض الحائط، في استدعاء منكور لسلوك السادات فى كامب ديفيد عندما كان يسهر فريق معاونيه فى إعداد الدفوعات وتقديرات الموقف، مقدمين قراءة دقيقة وعميقة عبر دراسات محترمة يطيح بها الرئيس فور أول جلسة مع كارتر وبيجن، ليعطي من لايملك لمن لا يستحق كما أثبت محمد إبراهيم كامل فى مذكراته كامب ديفيد والسلام الضائع.
أتصور أننا فى الحالتين أمام كارثة تستدعي المسائلة لكنها لا تسمح بالنظر لما نعيشه فى مصر من تحديات وتهديدات وسياقات قلب الطاولة، بالحديث عن إستقالة الرئيس والحكومة والبرلمان والدعوة لانتخاب قيادة جديدة أقدر على حماية مصالح الشعب، بل فقط في أدنى تقدير نحن نحتاج من الرئيس أن يعترف أن منطق “إسمعوا منى أنا بس” لم يعد يستقيم وأنه آن الأوان أن تحكم مصر مؤسسات لم نرى ظلها فى أي قرار.
قلنا فى بداية حكم الرئيس السيسى أن الشعب لن يعطى رئيسا شيكا على بياض، ومع ذلك تصرف الرئيس حتى الآن كما لو كان بالفعل قد حصل على هذا التفويض الذي بدا بلا شروط أو قيود، وهو أمر أثبت الواقع والتاريخ أنه لا يستقيم مع حكم دولة كمصر، لايعبر عنها أصحاب التأييد الزاعق الذين سكتوا فى مواجهة الحكم صمت القبور وهو أمر مفهوم فهم ينتظرون كالعادة الإشارة إلى أين يجب أن يتجهوا.
هناك ثمن سياسي يجب أن يدفع والمدعو لأن يدفعه الرئيس والحكومة، أولا الرئيس بأن يخرج ببيان واضح للشعب يقول أنه أخطأ، أو أخطأت الأجهزة التي أمدته بالمعلومات ويشفع هذا الحديث بقررات تسمي رئيس حكومة جديد سياسي يعرفه الشعب وتثق به القوى الوطنية ليشكل حكومة سياسية قادرة على أن تمثل مصالح الشعب، أما البرلمان الذى بدا فى المشهد وهو يرزح فى عار لم تعرفه برلمانات مصر عبر تاريخها، وهو ما لم تستره مواقف حفنة من الشرفاء داخله فأتمنى أن يدعو الشعب لحله لتنهض حكومة جديدة بالإشراف على افراز برلمان يعكس السيادة الحقيقية للشعب.
أتصور أن أى حديث آخر يتجاوز دفع تلك الأثمان هو حديث فارغ، ربما يؤجل الانفجار لكنه قطعا لن يمنعه وربما لا يطرح معه لنا جميعا سياقات عاقلة أو موضوعية لحكم هذا البلد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف