البديل
جلال الشايب
قواعد الاستبداد العشرون
أيها الجنرال، إذا وضعتك الظروف على قمة السلطة فى أعقاب الثورة، لا تفزع، لا تخف من حشود المتظاهرين فى الشوارع والميادين، اهدأ وتماسك وتمالك أعصابك، وأعلم أن الثورات مجرد لحظات في التاريخ، نعم لحظات مفصلية فارقة ولكنها فى النهاية مجرد لحظات لا تدوم. الثورة ضد الاستبداد استثناء فى حياة الشعوب، والقاعدة أن يتقبل الناس الاستبداد ويتعايشون معه خوفا من القمع والقتل، بل ستجد أن بعضهم يؤيد الاستبداد ويسانده طمعا فى تحقيق مصالح خاصة صغيرة؛ لذلك إياك أن تخاف من مشهد الجماهير الغاضبة، أنهم أشبه بأسود ونمور قوية هائجة، أنت المروض الماهر الذي سيتمكن بضربات محسوبة من سوطه السيطرة عليهم وإدخالهم إلى أقفاصهم الضيقة مرة أخرى، عليك فقط اتباع القواعد التالية:
1- استخدم الثوار فى الوصول إلى الحكم، واستعن بهم فى تجميل شكل نظامك الجديد، ليبدو أن وصولك إلى الحكم كان عبر ثورة شعبية وليس إنقلابا عسكريا، لكن إياك أن تخضع لمطالبهم الثورية أو تغير شيئا من النظام القديم الذي نشأت وكبرت بين أحضانه، فذلك خطأ فاحش. فى البداية سيضغطون عليك بشدة من أجل التغيير، انتظر حتى تصل ضغوطهم إلى ذروتها، ثم قم بتغيير شكلى محدود لا يمس قواعد النظام القديم.
2- ابدأ عهدك بمذبحة كبيرة، مذبحة مروعة، مذبحة تقضي بها على جانب كبير من قوة عدوك الرئيسي، وترهب بها حلفاءك الحاليين، تذكر أن حلفاء اليوم هم أعداء الغد. المطلوب مذبحة كبيرة أو عدة مذابح صغيرة متتالية تكون بمثابة رسالة للجميع أن النظام الجديد لن يقبل مرة أخرى مليونيات أو اعتصامات أو وقفات احتجاجية، ولا حتى مظاهرات فئوية.
3- أطلب تفويضا من الشعب لمواجهة الإرهاب الحالي والمحتمل، ثم اقضى على عدوك الرئيسي تماما، لا ترحمه، فعدوك سوف يتعافى ويبحث عن الانتقام، اسحقه تماما. وبقوة القانون، أحكم على جميع قياداته بالإعدام أو السجن المؤبد، ولا تخش هجوم الرأى العام العالمى ضدك، فأنت فى حرب ضد الإرهاب وتحمي بلادك من خطر الفوضى والانقسام.
4- أثناء صراعك مع عدوك الرئيسي، يجب أن تشق صفوف الثوار، وبعد ذلك يجب أن تتخلص منهم، لكن ليس مرة واحدة وإنما شيئا فشيئا. قم بحملة إعلامية واسعة منظمة من أجل تشويه سمعتهم، واستخدم أذرعك الإعلامية الموجودة فى كل الفضائيات فى تلفيق التهم لهم، والتى تؤكد أن هؤلاء الثوريين خونة وعملاء لجهات أجنبية دفعتهم للثورة، وأن الثورة الشعبية كانت مؤامرة.
5- أطلب من المواطنين أن يتوقفوا عن التظاهر والاعتصامات حتى تهدأ الأحوال في البلاد وتدور عجلة الإنتاج من جديد، ثم أصدر قانون للتظاهر، ظاهره تنظيم حق التظاهر وباطنه منع التظاهر نهائيا، وغلظ عقوبة من يخالف القانون. بالطبع لن يقبل الثوريون التوقف عن التظاهر، هنا قم بضربتك الحاسمة واقبض عليهم وحاكمهم طبقا لهذا القانون وأسجنهم جميعا، لا تنسى أن الثوريين هم أعداؤك الحقيقيون.
6- حاول التأثير على قلوب الناس وعقولهم، أخلق مشاهد مؤثرة، تذكر أن الصور المعبرة الأخاذة تخلق هالة من الزعامة، تجعل الجماهير تستجيب لقرارات زعيمهم المحبوب بسهولة. انتق مجموعة من عامة الشعب وعاملهم بتواضع شديد، ودع الفضائيات تصور تلك المشاهد: سيدة تعرضت للتحرش تزورها فى المستشفى، رجل بسيط تقابله مصادفة فى الطريق، سيدة فقيرة تستضيفها فى قصرك الجمهورى. تذكر أنه عندما ينبهر الناس بالمظاهر، لا أحد سيلاحظ ما الذي تفعله فى الواقع.
7- إياك أن تتخلى عن أعضاء النظام القديم من القضاة ورجال الدين والشرطة ورجال المال والأعمال، هؤلاء هم جنودك المخلصون، لو فرطت فيهم لن تجد لهم بديلا وستجد نفسك وحيدا بلا سند أمام جماهير الشعب الغاضب. اجتمع بهم سرا وأكد لهم أن النظام القديم كما هو، لن يتغير.
8- نظم مؤتمرا اقتصاديا كبيرا، واستعن بشركة عالمية متخصصة فى تنظيم المؤتمرات حتى يخرج بصورة جذابة، ودع الإعلام يوهم جماهير الشعب أن هذا المؤتمر هو نقطة التحول للقضاء على جميع مشاكلهم الحياتية، ومفتاح الحياة الكريمة لهم ولأبنائهم، ودعهم يتعلقون بالأحلام والأوهام .
9- تبن مشروعات قومية عملاقة، تحفر اسمك فى سجلات التاريخ: حفر قناة جديدة، زراعة مليون فدان، إنشاء عاصمة جديدة أكبر من سنغافورة، وأعلن عن تلك المشاريع فى صورة مفاجأة لجماهير الشعب، بدون نقاش مسبق أو حوار مجتمعى، وحتى بدون دراسات جدوى اقتصادية وبحوث علمية سليمة. ليس شرطا أن يكون المشروع مدروسا بعناية أو مخططا جيدا، المهم هو البروباجندا والدعاية السياسية.
10- تجنب القيام بالمشروعات التنموية التي تستلزم وقتا طويلا، فلن تستفيد منها شيئا ولن تقطف ثمارها، وتجنب أي مشروع يؤدي إلى إصلاح حقيقي للبلد أو رفع درجة وعى جماهير الشعب، كمشروع للنهوض بالتعليم مثلا، فبقاء الشعب جاهلا ومتخلفا أمر ضرورى لبقائك واستمرارك فى الحكم، ثم بماذا يفيد التعليم فى وطن ضائع؟
11- اقترض من الدول الغنية الشقيقة، واملأ خزائنك بالديون، لتستطيع أن تنفق منها على مشروعاتك العملاقة وأحلامك الزائفة، ولا تفكر فى كيفية سداد تلك الديون، فالأجيال التالية هى التى ستتحمل نتائج سياساتك المالية. وأسس صندوقا لجمع التبرعات، وأشرف عليه بنفسك بدون إشراف من جهات رقابية، وأفرض على رجال المال والأعمال التبرع للصندوق بالقوة.
12- أجزل العطاء لعملائك فى الإعلام حتى يتفانوا فى أمور النفاق والموالسة لشخصك ولنظامك. يجب أن يقودوا حملات منظمة للترويج لمشروعاتك الزائفة وإنجازاتك الوهمية وجولاتك الخارجية الناجحة من قبل أن تبدأ، وأن يكونوا مستعدين دائما للدفاع عن نظامك وقت اللزوم ضد هجوم الصحافة الغربية والرأى العام العالمى.
13- لا تسمح بوجود صوت معارض واحد فى وسائل الإعلام المختلفة، الكل يجب أن يسبح بحمدك ويشيد بزعامتك، ولو حاول أحدهم أن يلعب دور الإعلامى المحايد أو الموضوعى، اسحقه تماما، أجعله يبحث عن مهنة أخرى يكسب منها، أجعله عبرة للآخرين.
14- انتق شعارا خلابا ملهما، بشرط أن يكون بسيطا، من كلمتين على الأكثر، “يحيا الوطن” مثلا، وأجعله بمثابة شفرة بينك وبين كل من يريد أن ينافقك ويقدم فروض الولاء والطاعة لك، واستعن بفنانين شباب موهوبين ومخلصين لنظامك فى تأليف قصائد وتلحين أغانى وعمل أوبريتات وطنية راقصة، تلهب حماس الناس وتدفعهم للمزيد من النفاق والموالسة.
15- اجعل جماهير الشعب المطحونة فى مشاكل الحياة اليومية، مشغولة على نحو دائم بحوادث مثيرة وقضايا ثانوية تافهة، حدث أو قضية جديدة كل فترة: القبض على مجموعة من الشواذ داخل حمام شعبي وتصوير الواقعة، مناظرة تليفزيونية بين رجل دين وكاتب صحفى يسخر من المقدسات الدينية، انتشار صور فاضحة لأحد القضاة على مواقع التواصل الاجتماعى والتحقيق معه. اجعل كل وسائل الإعلام تتحدث عن تلك الحوادث والقضايا، فتغفل الجماهير عن مشاكلها الحقيقية.
16- تظاهر أنك مع الديمقراطية وتريد بالفعل إجراء الانتخابات البرلمانية فى موعدها، وفى الخفاء عرقل كل محاولات إجراء هذه الانتخابات، وفى غياب البرلمان أصدر ما تشاء من قوانين لتثبيت دعائم نظامك. وعندما تتم الانتخابات ويصبح هناك مجلسا منتخبا، عين رئيسا للمجلس يسبح بحمدك ليل نهار، حمل وديع أمامك، أسد شرس أمام نواب المجلس، ودعه يفرض عليهم مراجعة كل القوانين التى أصدرتها خلال خمسة عشر يوما من انعقاده طبقا للدستور.
17- خاطب الجماهير بهدوء وبصوت ناعم مشحون بالحنان، أجعلهم يشعرون أنك قريب منهم، وأهتم على نحو خاص بالجنس الناعم، فالمرأة أصبحت كتلة تصويتية لا يستهان بها فى أى انتخابات. تحدث كثيرا عن وجود مؤمرات داخلية وخارجية تهدف إلى إسقاط الدولة، واستخدم مصطلحات غامضة تثير القلق والخوف لدى البسطاء من عامة الشعب مثل: قوى الشر، المخطط الشيطانى، وحروب الجيل الرابع.
18- امتص غضب الجماهير من غلاء الأسعار وتلوث المياه ونقص الوقود وانهيار العملة المحلية وصعوبة المعيشة، بإجراء أحاديث تليفزيونية موجهة للشعب من حين إلى آخر، حاول أن تظهر فيها بهيئة الرجل البسيط القريب من مشاكل وهموم الناس. تحدث وأنت جالس ممسكا بالميكروفون بجمل قصيرة مرتجلة وعبارات عاطفية مؤثرة، ولا مانع من البكاء. تجنب استخدام الفصحى فى تلك الأحاديث، وعموما يصعب عليك التحدث بالفصحى بدون أخطاء.
19- اعقد صفقات أو اتفاقيات لترسيم الحدود مع دول الجوار بدون الرجوع إلى الشعب، صاحب الشأن، وتنازل عن ما تشاء من أراضى الوطن، واسجن من يتظاهر ضد قراراتك بتهمة التحريض ضد مؤسسات الدولة، ودع عملاءك فى الإعلام يدافعون عن قراراتك ويطعنون فى وطنية من يرفضون التخلي عن جزء من ترابهم الوطنى، ولو قام أحدهم برفع دعوى قضائية لاثبات ملكية هذه الأراضى للبلاد، وقضت إحدى المحاكم لصالحه، اطعن فى صحة الحكم، واستمت ليتم إقرار الصفقة ضد إرادة الشعب وحكم القضاء.
20- أخيرا، دع جماهير الشعب تشعر باستحالة الحياة بدونك. أجعل من نفسك الخيار الأوحد والأخير، والذى بدونه تسقط البلاد فى هاوية الفوضى أو جحيم الحكم الدينى.
ملحوظة: كتبت هذا المقال بعد أن قرأت قصة حياة الجنرال أوجستو بينوشيه، ديكتاتور تشيلى السابق، والذى أطاح بالرئيس المدنى المنتخب سلفادور ألليندى فى إنقلاب عسكرى عام 1973، ووضعت هذه القواعد بناء على تجربته فى الحكم التى استمرت سبعة عشر عاما، وبالتالى لا علاقة للمقال بما يحدث فى عالمنا العربي على الإطلاق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف