سليمان جودة
كلام للوزير الجارحى يدعو للتفاؤل
ليست المرة الأولى التى يتكلم فيها مسئول عن التهرب الضريبى، فمسئولون كثيرون تكلموا عنه من قبل، ولكنها المرة الأولى ربما، التى أقرأ فيها كلامًا محددًا عن التهرب من هذا النوع، من حيث حجمه بالضبط، ومن حيث مصادره، ومن حيث أنواعه !
لم يأت وزير للمالية على مدى عقود من الزمان مضت، إلا وكان هذا الملف موضع اهتمام منه، وإلا وكان له فيه كلام كثير، أو قليل، وإلا وكان يقول فيه ويعيد، وقد كنت فى كل مرة أسمع كلامًا كهذا منهم، أتساءل فى حيرة: متى ننتقل فى الملف من مرحلة التشخيص إلى مرحلة العلاج ؟!
على كل حال فإن المعلومة التى جاءت على لسان عمرو المنير، بهذا الخصوص، لابد أن تكون لها مابعدها، وألا يكون مصيرها كمصير المعلومات المماثلة قبلها!
أما عمرو المنير فيشغل منصب نائب وزير المالية، للسياسات الضريبية، وبالتالى فهو يتكلم فى الموضوع كلام أهل الشأن والاختصاص !
وأما المعلومة الواردة على لسانه فى حوار ملأ صفحة كاملة من ( الأخبار ) فهى أن حجم التهرب من الضرائب وصل إلى ٤٠٠ مليار جنيه، وأن التهرب نوعان: نوع ناتج عن أن المسجلين فى الضرائب يعطون بيانات غير صحيحة حول المستحق عليهم من ضرائب، والنوع الثانى سببه أن هناك كثيرين يمارسون عملًا، ويحققون ربحًا، ولكنهم غير مسجلين أصلًا فى سجل الضرائب !
القصة، إذن، معروفة بما يكفى، فهذا هو حجمها، وهؤلاء هُم المتهربون، وهذه هى أماكنهم !
وليس مطلوبًا بعد ذلك إلا أن تأتى الحكومة صباح غدٍ، لا بعد غدٍ، بفريق من أهل الشأن، وتطلب منهم أن يضعوا يدها، وبسرعة، على أول الطريق إلى كيفية الحصول على بيانات صحيحة عن الممولين المسجلين، ثم نقل الكثيرين الذين يمارسون أعمالهم خارج الخريطة الضريبية، ويحققون ربحًا عليه ضرائب مُستحقة، إلى داخل الخريطة نفسها !
أقول غدًا، لا بعد غدٍ، وبسرعة لا تعرف الإبطاء، لأن الدولة إذا ما فعلت ذلك، لن تكون فى حاجة وقتها إلى أن تقترض، ولا إلى أن تحرض القادرين من مواطنيها، على أن يتبرعوا لصندوق تحيا مصر، ولا لغير صندوق تحيا مصر، فليست هناك دولة تتوازن ميزانيتها، إلا إذا كانت الضرائب فيها كمنظومة، دقيقة، ومنضبطة، ولا يتهرب منها إلا أقل القليل، ولأسباب لا يد للدولة فيها !
ثم أقول إنه من المهم للغاية، أن يكون كل مواطن عليه ضرائب مُستحقة، مدركًا لحقيقة لا فصال فيها.. هذه الحقيقة هى أن أداء كل واحد من الموطنين لضرائبه، يظل أمرًا لصالحه هو، كمواطن، بمثل ما يأتى لصالح أى مواطن آخر سواء بسواء!
الأمر كذلك بالضبط، لأن الضرائب هى تقريبًا المصدر الأهم، الذى تأخذ منه الحكومة لتواجه أبواب الإنفاق على الخدمات العامة فى البلد، ولابد أن لكل مواطن أن يتصور شكل البلد نفسه، وقد عجزت حكومته عن الإنفاق على خدماته العامة، كالصحة، أو كالتعليم، كما يتعين أن يكون الإنفاق !
والحقيقة أنك لست فى حاجة إلى أن تتصور، فحال التعليم من حولك، يُغنى عن أى تصور، وكذلك حال الصحة طبعًا، إلى سائر الخدمات العامة بكل صورها، التى لا سبيل إلى تقديمها بالشكل اللائق والآدمى، لكل مواطن، إلا على يد الدولة ذاتها !
أرجو أن تكون الرسالة قد وصلت إلى الذين يعنيهم الأمر فى الدولة، وإلى كل ممول معًا !
والحقيقة أننى فى الوقت الذى انتهيت فيه من كتابة هذه السطور، قرأت للدكتور عمرو الجارحى، وزير المالية، أن لدى وزارته خطة تعمل عليها حاليًا، من أجل دمج قطاع الاقتصاد الموازى، فى القطاع الرسمى !
فإذا عرفنا أن الاقتصاد الموازى، هو القطاع الذى يمارس نشاطه بعيدًا عن عين الدولة، ودفاتر ضرائبها، ولا يدفع بالتالى ضرائبه، فإن ذلك يدعونا إلى شىء من التفاؤل !