الأخبار
يسرى الجندى
هل يصلح العطار.. ما أفسده الدهر؟
هذا مثل نردده أحيانا.. لكننا الآن.. لا نملك أن نقطع فيه برأي حتي وإن كان يحمل معني الاستحالة! نحن لا نملك أن نفرط في الأمل.. وما لنا برفاهية اليأس.. رغم أن اليأس مريح مثل الموت!
في حديثنا عن الإبداع ودوره.. وما حل به ـ رغم تشدقنا كثيرا بالحديث عن القوة الناعمة ـ إنما نأمل في إيقاظ الضمير الوطني لدي المشتغلين بالإبداع ولدي الجماعة المصرية أو علي الأقل حلحلته وتحريكه.. أو أن نعري القبح ـ وهذا أضعف الإيمان!
ـ ما وصلت إليه هذه القوة الناعمة وفي شتي المجالات صار لغزاً أمام البعض حين يرون العالم وإبداعاته صارت متسارعة ترمح كالجياد الجامحة وتلقي بظلالها علي كل الأمم.. وأفظع ما في الأمر أن وصل البعض إلي قناعة مريحة لهم.. بأن مسألة الإبداع هذه سيان ما وصلت إليه إذ يرونها لا تفيد بشيء فيما نحن فيه من مشاكل اقتصادية وقضايا مثلها تثقل علينا مع أننا كما أشرنا في مقال سابق قد دللنا من واقع أيام لنا سلفت.. أن القوة الناعمة كانت تسهم بقوة في العطاء الاقتصادي وغيره مثلما تؤدي دورها مع الوعي والوجدان.. وكيف انها مازالت قادرة علي ذلك إن أحسنا الظن بها ورددناها إلي سواء السبيل.. لا أن نتباري في أشكال القبح مثلما تتباري في ذلك بعض المحافظات علي سبيل المثال بما تقيمه من تماثيل لرموز مصرية بشكل شائه مخز.. فنري تمثالا لنفرتيتي جميلة الجميلات بمقاييس الجمال في كل العالم.. وقد بدت مسخا لامرأة »مسترجلة»‬ فاقت في قبحها الرجال والنساء علي السواء ونري تمثالا آخر للزعيم الفارس أحمد عرابي وهو أقرب لأقبح مطاريد الجبل أو المعتوهين.. والقبح في كل مظاهر حياتنا لا يعد بما يدل علي تراجع مخيف في الوعي والوجدان الجمعي والفردي.. لكننا نتوقف هنا عند الأكثر تأثيرا في هذه القوة لدي الغالبية ـ نتوقف عند التليفزيون وكلاهما ـ الخاص والحكومي يتباري في الحط من قدر الإبداع ـ إما الخاص فمن أجل الكسب الشره وفق قوانين السوق المفتوح المتوحش ـ والآخر في ضعفه وهوانه.. بل قل وتلاشي تأثيره.
فقد سبق أن تحدثنا كما تحدث غيرنا عما كنا عليه منذ أول الستينات حتي صارت لنا الريادة فيه كما كان شأننا مع الصحافة والتعليم والمسرح والسينما.. الخ.. تحدثنا عما صرنا إليه وخاصة بعد حرب أكتوبر العظيمة.. ودخولنا علي عكس المنطق.. إلي مرحلة الانفتاح وانقلاب الأحوال والمعايير.. وانعكاس ذلك علي كل شيء بما فيه القوي الناعمة هذه!.. فصارت الجودة والإجادة والتأصيل والاستنارة.. وكانت جميعا أساس ريادتنا في المنطقة.. صارت إلي معيار واحد.. وهو معيار السوق الذي لا يري إلا الكسب السريع والشره فيما عدا استثناءات تؤكد القاعدة.. ان من أهم المعاول لهدم القوي الناعمة الوطنية هو إبعاد التليفزيون المصري عن الساحة لاستباحتها لصالح معيار السوق.. بدءا من تهميش التليفزيون والسطو علي أرشيفه الضخم والعمل علي سحب قواه البشرية المبدعة.. حتي إفلاسه وإثقاله بالديون وأظن أن هناك من المسئولين فيه من ساهم في ذلك لسنوات سبقت، والان إلي السؤال: هل يمكن استرداد التليفزيون المصري ثانية بريادته ودوره القديم في أن يكون رمانة الميزان في حركة سوق الدراما والبرامج وإحداث التوازن فيه؟
تساؤل أخير عن أمر المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام حيث يتصل به إنشاء هيئة وطنية للإعلام المرئي والمسموع وهيئة وطنية للصحافة بخلاف قرار أظنه مازال بمجلس النواب للصدور عن نقابة الإعلاميين.. وبغض النظر الآن عما يثار حول هذه المؤسسات سواء بالجمع أو بالفصل بين هيئتين منهما؟ أو بخصوص اللجان المشكلة بشأن الثلاث هيئات.. فإن المحك الحقيقي لمصداقية الأمر برمته ومصداقية ما ينتهي إليه النقاش والقرارات هو ما يتم تنفيذه عل الأرض من بعث حقيقي للتليفزيون المصري بحل كل مشاكله فعلا، وإطلاق المعطل من طاقاته واستقطاب ما تسرب منها ليستعيد ريادته وإحداث التوازن في هذا السوق المنفلت الصاخب.. والأهم للقيام بدور فعال وحر في هذه المرحلة ـ بالغة الصعوبة ـ والتي تحتاجها بإلحاح أي أمة تمر بتلك الظروف.. وعندها قد يصلح العطار ما أفسده الدهر! آمين.
هوامش: قناة »‬ماسبيرو زمان» ضوء كاشف ـ ربما بغير قصد ـ لتعرية ما كنا عليه بلا إمكانات تقريبا وما صرنا إليه بتقدم مزعوم!
الأصوات العربية الجميلة الأصيلة التي تتردد في برنامج »‬آراب إيدول» - ومنها أصوات مصرية بالطبع- تثير الأمل بقدر ما تحرك العديد من الأشجان والألم.. وما يقدمه برنامج آخر لأصوات الصغار يحمل مفاجآت مدهشة يحدث نفس الشيء بشكل أشد.. بوركت تلك الأصوات جميعاً.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف