الأخبار
د.محمد مختار جمعه
الرقابة الذاتية والإدارية
لا يملك أي وطني مخلص إلا أن يشيد بجهود هيئة الرقابة الإدارية وضرباتها الموجعة والمتلاحقة للفساد والمفسدين، ولا يمكن لأحد أن ينكر أن هذه الضربات قد بدأت تحدث هزة إيجابية في كثير من جوانب الجهاز الإداري، وتدق ناقوس الخطر في آذان كل من تسول له نفسه الخروج علي ما يقتضيه الواجب الوظيفي والمهني، ولا شك أن تتابع هذه الجهود سيحجم كثيرًا من وجوه وصور الفساد المالي والإداري، ولا ينكر أحد أيضًا ما تقوم به أجهزة الرقابة المالية والإدارية الأخري من جهد واضح في هذه المجال، علي أن كل ذلك إنما هو نابع من إرادة سياسية واضحة وحاسمة لمواجهة الفساد حتي اجتثاثه واقتلاعه من جذوره بإذن الله تعالي، وهو أمل لطالما طال انتظاره، فحجم إهدار المال العام المترتب علي الفساد أشد وأخطر أنواع الإهدار، كما أن المواجهة الحاسمة الصريحة للفساد المالي والإداري هي أحد أهم السبل إلي إزالة كثير من ألوان الاحتقان المجتمعي أو تخفيفه علي أقل تقدير، مع بث جانب كبير من الطمأنينة والأمل في غدٍ أفضل لا فساد فيه ولا مجاملة ولا محسوبية.
وهنا أؤكد علي أمور: الأول أن تكون مواجهة الفساد عامة وشاملة وحاسمة سواء أكان الفساد متعلقًا بالاختلاس، أم بالمجاملة، أم بالمحسوبية، فمبدأ تكافؤ الفرص وإعطاء كل ذي حق حقه، وتقديم الكفاءة علي الولاء، وإعطاء ذوي الكفاءات فرصهم كاملة أحد أهم وجوه العدالة الشاملة.
نود ونؤمل، ويجب أن نعمل علي أن يصبح رفض الفساد ومواجهته ثقافة مجتمعية، ففي الوقت الذي نسعي فيه إلي محاسبة كل مسئول تسول له نفسه الوقوع في براثن الفساد يجب أن يتفهم المجتمع بكل فئاته ومستوياته ما تقتضيه مواجهة الفساد من روح عامة لدي المسئولين ولدي أفراد المجتمع جميعًا، بحيث لا يسعي من يريد مواجهة الفساد إلي الحصول علي ما ليس له بحق، نريد أن يصبح رفض المجاملة والمحسوبية والحصول علي غير الحق مبدأ وثقافة عامة، كما يجب علي المجتمع أن يرفع القبعة لكل من يواجه الفساد، وأن تضع كل مؤسسة جائزة أو لائحة شرف أو نحو ذلك للإدارة النظيفة الخالية من الفساد، تشجيعًا لأصحاب الأيادي النظيفة وتثبيتا لهم علي مواقفهم، بل نذهب إلي أكثر من ذلك وهو ألا يضار من يواجه الفساد والمجاملة والمحسوبية بسبب مواقفه أو صلابته في الحق.
أن تقوم كل هيئة أو جهة أو مؤسسة بوضع آلية ونظم ومراجعة للوائح بما يحقق أعلي درجات الشفافية، وأن يعلن ذلك للجميع من الإداريين والموظفين والمتعاملين، وبما يحول بين الجميع وبين كل وجوه الفساد.
أن يدرك الجميع أن الثقة لا تعني عدم المتابعة، وأن المتابعة لا تعني عدم الثقة، فالمتابعة والمراجعة يجب أن يكونا نظام عمل إداري بغض النظر عن مستوي الثقة فيمن يقوم بالعمل.. مع كل ما تقدم يبقي شيء في غاية الأهمية وهو الأمر الأكثر حسمًا في مواجهة الفساد، وهو إيقاظ الضمائر وحسن المراقبة لله تعالي، فقد قالوا : من الصعب بل ربما من المستبعد أو المستحيل أن نخصص لكل إنسان شخصًا يحرسه أو يراقبه، وحتي لو خصصنا لكل شخص شخصًا يحرسه أو يراقبه، فإن ذلك كله لن يكون أمرًا حاسمًا ما لم نُرَبِّ في المرء ضميرًا حيًّا ينبض بالحق ويدفع إليه راقبناه أم لم نراقبه، لأنه يراقب من لا تأخذه سنة ولا نوم، حيث يقول الحق سبحانه : » اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ »‬، ويقول سبحانه : »‬ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ»‬، ويقول سبحانه : »‬ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَي ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَي مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»، ويقول سبحانه علي لسان لقمان (عليه السلام) في نصائحه لابنه : »‬ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ».
أن يدرك الإنسان سوء عاقبة الفساد والمفسدين، فمن جهة العدالة بين المرءوسين، فعليه أن يدرك أنه راع ومسئول عن رعيته، وأنه من ولي أمر عشرة من الناس فما دون ذلك جاء يوم القيامة ويده مغلولة إلي عنقه، فإما أن يفكه عدله وبره، وإما أن يهلكه جوره وفساده وظلمه، أما من جهة المال الحرام فعليه أن يتذكر دائمًا أن كل جسد نبت من سحت فالنار أولي به.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف