>> أعود اليوم إلى قضية تجريف مصر من العباقرة التى فتحت ملفها منذ خمس سنوات مضت.. دون أى رد فعل من أى نوع من أى جهة.. وعدم الرد والتجاهل والتزام الصمت.. تجاه قضية بالغة الأهمية للوطن.. أراه بعد هذه السنوات.. رسالة من الدولة.. رسالة من «النخبة».. ورسالة من المجتمع المدنى.. بأن هذه القضية وما شابهها من قضايا تبحث عن مصلحة وطن.. ليست محل اهتمام الدولة والمجتمع المدنى ومنظماته.. وسبحان الله الطرفان اللذان نادرًا ما يتفقان.. وأقصد الحكومة والمنظمات.. هما فى قضية تجريف الوطن من العباقرة التى أكتب وأتكلم فيها من خمس سنوات.. موقفهما متطابق تمامًا.. اتفقا على تجاهل الموضوع.. وكأن المطلوب ألا يعيش فى الوطن وللوطن عبقرية واحدة فى أى مجال!.
اعذرونى حضراتكم فى تكرار ما سبق طرحه والإلحاح والاستماتة فى إبقاء ملف هذه القضية مفتوحًا.. ربما التجاهل الحكومى الشعبى.. يتحول إلى اهتمام.. والقضية المنسية تصبح قضية رأى عام.. يتناولها «الفيسبوك» مثلما هو الآن «غرقان لشوشته» فى حدوتة «هدير»!. والله حاجة تكسف وتِنْقِطْ!.
من خمس سنوات فتحت قضية تجريف الوطن من العباقرة.. فتحت الكلام وتحت يدى دليل دامغ لا يقبل أى شك ولا يتحمل أى تجاهل أنه فى بلدنا مصر.. عبقرى!. طفل فى ثانية إعدادى عبقرى فى الرياضيات!. من باب الشك.. قد يتساءل البعض وكيف عرفت أنه عبقرى.. ألا يجوز أنك تبحث عن «فرقعة» والمسألة من أولها لآخرها كلام جرايد ولذلك نحن لم نهتم؟.
أقول أنا: من أول يوم تناولت فيه هذه القضية.. حرصت على أن تكون كل معلومة موثقة بدليل دامغ!. الذى قال إنه عندنا طفل عبقرى هم أساتذة الرياضيات فى كلية العلوم جامعة القاهرة وأساتذة الجامعة الأمريكية!. نشرت كلامهم بالحرف.. واستضفت 4 منهم فى التليفزيون.. وصوتًا وصورة هم من قالوا هذا وشهدوا بذلك!. حاجة تفرح أن يضع «بلد» يده على عبقرية.. وحاجة تِنقِط أن يتجاهل بلد بأكمله أنه على أرضه عبقرية.. وكأنها مسألة عادية!.
من خمس سنوات اعتبرت هذه الحدوتة قضية عمرى!. كتبت فى «الأهرام» فى نفس هذا المكان.. وقلت فى برنامج «دائرة الضوء» التليفزيونى!. لم يكن التناول مرة أو اثنتين أو عشرًا.. إنما اعتبرتها قضية عمرى!.
قضية عمرى أن يبقى هذا الطفل العبقرى فى مصر.. وألا نتجاهله إلى أن يتم خطفه من أى دولة فى الغرب!. قلت ومازلت لتكن هذه هى بداية الحفاظ على عباقرة الوطن.. وكلنا يعرف ويدرك ويعلم أنه حتى هذه اللحظات لا تعيش لنا «عبقرية» والدليل علماؤنا الأفذاذ الموجودون فى أغلب دول العالم المتقدمة.. والذين هم جزء من تقدمها!.
يقينى من خمس سنوات وحتى الآن.. أن الاهتمام مرة بعبقرية.. ستكون البداية التى نبنى عليها أحد أهم مشروعات الوطن.. لأن معدل التقدم مرتبط بالثروة البشرية من العباقرة والمتميزين.. ونحن لا نعرف حتى.. ماذا نفعل إن وجدنا فى بلدنا عبقرية؟.
والله لا نعرف.. والدليل عمر عثمان!.
عمر عثمان كتبت عنه عشرات الكلمات وتكلمت عنه آلاف الكلمات!. عمر عثمان هو الطفل المصرى العبقرى الذى عرفت بأمره قبل خمس سنوات ووقتها كان فى ثانية إعدادى!.
فى ثانية إعدادى.. لكنه متفوق على طلبة نهائى علوم ونهائى الجامعة الأمريكية فى الرياضيات!.
هذا الكلام أصبح معروفًا.. لكنه أبدًا لم يتحول إلى قضية رأى عام!. ليه؟.
لأن الإعلام لا يريد!. الإعلام اهتماماته أخرى!. الإعلام فى سلو بلدنا.. إن وجد صحفى أو مذيع.. تناول قضية مثل هذه.. قضية تهم وطنًا.. الإعلام يقاطعها.. لماذا؟ لا أعرف!. كتبت وقلت عن عمر عثمان كثيرًا كثيرًا.. ولا أحد فى الإعلام بمختلف صوره.. اهتم!.
المحزن بجد هو موقف المسئولين.. وأتكلم هنا عن وزير التعليم.. سواء الحالى أو السابق أو الأسبق!.
وقت قضية عمر عثمان.. السيد وزير التعليم وقتها.. فى مداخلة تليفونية على الهواء فى برنامج «دائرة الضوء» قال: القانون يمنعنى من فعل أى شىء!.
الطبيعى فى كل دول العالم.. أنهم عندما يكتشفون موهبة.. تخضع إلى اختيارات ومقاييس على أساسها يحددون معدل الذكاء.. وهناك مقياس متعارف عليه عالميًا.. ومن يحصل على 130 درجة فما فوق يدخل نطاق العباقرة!. فى كل العالم المتقدم ما إن يعثروا على موهبة يتعرفوا على درجة الذكاء ومنها يتم تحديد السنة الدراسية التى يمكن لهذه الموهبة أن تلتحق بها.. بصرف النظر عن أى قوانين لأنظمة التعليم!.
فى حالة عمر عثمان.. أستاذة فى الجامعة الأمريكية وهى أمريكية الجنسية.. كتبت تقريرًا علميًا قالت فيه: عمر عثمان بإمكانه حاليًا أن يلتحق بالسنة الرابعة فى الجامعة الأمريكية.. وبإمكانه فى السنة القادمة أن يتقدم للماجستير!.
ملاحظة: عمر عثمان وقت كتابة هذا التقرير كان فى ثانية إعدادى.. والسيد وزير التعليم قال إن أقصى ما يمكن تقديمه أن يجعله «ينط» سنة ويمتحن الإعدادية!.
لم أستطع أن أفعل شيئًا وقتها.. لأن كل الطرق «آخرها» الإعدادية رغم أن العبقرى المصرى الصغير مستواه بكالوريوس!.
خلاصة الكلام.. خطفوا العبقرية المصرية!. ما كنت أخشاه حدث!. واحدة من جامعات فرنسا.. فتحت «أبوابها وشبابيكها» أمام العبقرى الصغير!.
عمر عثمان.. حصل على البكالوريوس فى فرنسا بدلًا من الإعدادية فى مصر!. عمر عثمان حصل على الماجستير فى فرنسا!. عمر عثمان أظنه سيحصل على الدكتوراه نهاية هذا العام!. عمر عثمان من سنتين يقوم بالتدريس فى الجامعة الفرنسية.. ولو بقى هنا.. كان عقبال أولادكم فى الثانوية!.
كل هذه المعلومات قلتها بدل المرة عشر مرات.. لأجل أن يتحرك مسئول واحد والمسئول الأول وزير التعليم.. لإنهاء هذه المسخرة.. ولم يحدث!. لا وزير التعليم ولا أحد سأل.. كل أطفالنا عباقرة وإن خسروا واحداً لن يؤثر على مسيرة تقدمنا!.
كنت أتصور أن يقدم السيد وزير التعليم مذكرة للحكومة.. يحكى فيها المأساة التى نحن فيها.. ويطالب بتعديل القانون أو إضافة فقرة للقانون!.
بالمناسبة القانون الذى نتكلم عنه هو «قانون التعليم المصرى» الصادر فى سنة 1981.
القانون الذى حَرَمَ الوطن من عباقرته رقمه 139 وتعديلاته بالقانون 155 لسنة 2007 وفيه المادة الرابعة الباب الأول تقول: مدة الدراسة 9 سنوات للتعليم الإلزامى و3 سنوات للثانوى.
المادة العاشرة الباب الأول تقول: يكون القبول فى مرحلة التعليم الأساسى على أساس السن فى أول أكتوبر.
المادة الخامسة عشرة الباب الثانى تقول: التعليم الأساسى حق لجميع الأطفال المصريين الذين يبلغون السادسة من عمرهم.
معنى الكلام من المواد الثلاث.. أنه لابد من قضاء 12 سنة فى سنوات التعليم.. قبل أن تدخل الجامعة.. وأنه لا يمكن للطفل أن يدخل الابتدائى قبل سن السادسة!.
هذه الأمر لا مشكلة فيه بالنسبة للقدرات العادية.. لكنه مأساة إذا ما ظهر عندنا عبقرية.. مثلما حدث مع عمر عثمان!. عبقريته توهله للبكالوريوس مباشرة وهو مربوط على ثانية إعدادى!
المؤسف أننا خسرنا عبقرية.. بقاؤها هنا والبناء عليها.. كان أفضل بداية لتعلم كيف ننقل مصر علميًا.. للمكانة التى عليها العالم المتقدم!.
طارت العبقرية بسبب القانون 139 وأحد لم يهتم وكأن هذا القانون ليس من صنع بشر.. ومن حق البشر نسفه إذا ما ثبت أنه يؤذينا!. لا الوزير وقتها تكلم ولا أحد اهتم وكأن عمر عثمان آخر عبقرية ولا داعى لتعديل القانون!.
أراد الله أن يفضح السوءات التى نتجاهلها!.
عبقرية مصرية جديدة ظهرت!. معدل الذكاء فوق 165 درجة والعمر 8 سنوات.. وإن كان هذا ذكاءها فى هذه السن الصغيرة.. إذن نحن أمام أذكى إنسان فى العالم!.
العبقرية المصرية الجديدة فى ثانية ابتدائى!. الحكومة فى شخص وزير التعليم.. على علم بهذه العبقرية من سنة 2015 ونفس الصمت ونفس الرد!.
السيد وزير التعليم فى 2015 انبهر بالطفل العبقرى!. السيد وزير التعليم أكد أنه لا يستطيع فعل شىء بسبب القانون!.
طيب.. فيها «إيه» لو فكرنا خارج الصندوق.. وبدلا من ترك الموهبة تضيع فى سنوات التعليم الـ12 وفوقهم 4 جامعة!. أو جعل الموهبة «تنخطف» مثلما حدث مع عمر عثمان.. لماذا لا نفكر فى تعديل القانون مثلا!.
هل القانون 139 أقوى من الوطن ومصالحه ومصلحته؟. هل القانون 139 محصن ومستحيل الاقتراب منه؟. هل مصلحة الوطن هى «الحِيْطَة» المايلة التى يقدرون عليها؟.
حاليًا.. لا أفهم سببًا واحدًا يمنع السيد وزير التعليم الحالى عن عمل مذكرة يطلب فيها تعديل القانون!.
كنت أظن أن سيادته بمجرد الكلام فى هذه القضية.. لا ينام الليل قبل أن يفعل.. لكنه لم يفعل.. وعليه!.
اتصلت بالدكتور جمال شيحا رئيس لجنة التعليم والبحث العلمى فى مجلس النواب.. طلبت من سيادته التدخل لإجراء تعديل على القانون لأجل أن يستفيد الوطن من عباقرته.. لأننا على المدى القريب جدًا فقدنا عبقرية من ثلاث سنوات ولم نهتم ولم نتحرك ولم نتعظ. كأنه مكتوب علينا ألا ننعم بنعمة الله علينا ومصممون ألا «تعيش» لنا عبقرية!.
قلت للدكتور جمال شيحا.. ما ضاع منا وعلينا لن نستطيع إعادته.. والمولى عز وجل أعطانا هدية جديدة.. طفل عبقرى فى عمر الثامنة.. وإن كان المسئول عن التعليم لا يعنيه تغيير أو تعديل القانون.. فإن مجلس النواب يعنيه بالتأكيد الأمر وإقرار القوانين وتعديلها مهمته.. فماذا أنت فاعل؟.
الرجل لم يتأخر فى الحقيقة.. وحدد يوم الاثنين الماضى موعدًا لاستقبال الطفل العبقرى ووالدته والدكتور حاتم زاهر إخصائى الطب النفسى الذى أجرى آخر مقياس ذكاء للعبقرية الصغيرة. د.جمال شيحا طلب من الدكتور حاتم زاهر إجابات عن بعض الأسئلة التى تساعد لجنة التعليم والبحث العلمى فى إعداد مذكرة وافية للمجلس لأجل إصدار تعديلات على القانون 139 الذى أغفل.. سهوًا أو أى شىء آخر.. أن أرض مصر بإمكانها إنجاب أطفال يتمتعون بقدرات خاصة.. ولابد من معاملتها ورعايتها بما يتفق وقدراتها مثلما يحدث فى العالم المتقدم من حولنا!.
بمناسبة سيرة العالم المتقدم.. أقدم لحضراتكم تجربة من أرادوا التقدم.. فتقدموا!.
أتكلم عن تجربة دولة صغيرة جدًا جدًا من حيث المساحة ومن ناحية الموارد والثروات الطبيعية.. هى عادية بل أقل من العادية ومع ذلك تقدموا وتقدموا وتقدموا.. لأنهم امتلكوا الإرادة ولأنهم بدأوا بالتعليم!.
إنها سنغافورة.. الدولة الصغيرة جدًا من ناحية المساحة (710 كيلومترات مربعة).. التعداد حوالى ستة ملايين نسمة.. الاحتياطى النقدى.. سنغافورة فى المركز العاشر عالميًا واحتياطيها 244 مليار دولار.
سنغافورة فى معيار مستوى المعيشة هى الأولى على آسيا والسابع على العالم.. بدون بترول ومن غير غاز!.
سنغافورة حققت هذا التقدم فى حدود العشرين عامًا!. بدأت مشوار التقدم بالتعليم فى أواخر التسعينيات والآن هى تحتل المركز الثانى على العالم بعد كوريا الجنوبية وقبل اليابان.. ماذا فعلت؟.
نظام تعليمى جديد شعاره الاعتماد على القدرات!. «يعنى إيه»؟.
هم أيقنوا أن كل طفل لديه قدرات ما فى مجال ما.. لكن لا الطفل يعرف قدراته ولا من حوله يعرفون.. ونظام التعليم سيكون السبيل الوحيد للتعرف على هذه القدرات خلال المرحلة الأولى من التعليم التى مهمتها من خلال مناهجها الكشف عن ميول الطفل والتعرف عليها والعمل على تحريرها لتنطلق وتبدع!.
فى سنة 2005 أعلنوا مبادرة جديدة شعارها.. تعليم أقل.. أى مناهج أقل.. ناتجها تَعَلُّم أكثر!. تخلصوا من كل حشو داخل أى منهج.. ليسمحوا للطفل بأن يستوعب ما يدرسه.. ويطبقه.. بل ويضيف عليه ويبتكر!. باختصار أطلقوا العنان للقدرات الإبداعية!.
التعليم فى الابتدائى 6 سنوات بعدها سنتان متوسط وسنتان فى الثانوى.
المرحلة الابتدائية.. هى مرحلة التعرف على قدرات الطفل وهذا هو الهدف.. لذلك المنهج قائم على ثلاثة محاور.
الأول اللغة والثانى الرياضيات والثالث التعليم الحر. لا الجغرافيا ولا تاريخ ولا أى شىء آخر!.
اهتموا بالرياضيات من المرحلة المبكرة فى العمر.. لذلك طلبة سنغافورة يحتلون المراكز الأولى فى جميع المنافسات الخاصة بالرياضيات على مستوى العالم بشكل مستمر من عام 1995 وحتى الآن.
لذلك أمريكا بدأت تدرس تجربة سنغافورة لأجل نقلها لأمريكا!. لذلك تم تصنيف التعليم العالى فى سنغافورة على أنه أفضل نظام تعليمى فى العالم!.
85 ألف طالب من 120 دولة.. يدرسون فى مدارس وجامعات سنغافورة.. أغلبهم من أوروبا!.
أخيرًا.. فى سنغافورة.. التعليم لا يوجد فيه القانون 139 المصرى!. هناك القدرات العقلية العالية المميزة.. لها كل التقدير وكل الاهتمام وكل الاستثناءات.. لتنطلق وتبتكر وتبدع وتتقدم وتضع بلدها فى صدارة دول العالم المتقدم فى التعليم وغير التعليم!.
ما رأيكم.. دام فضلكم.. وفى انتظار ردكم!.