الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
القاضي الإنسان
القانون الجنائي في تطبيقه يحتاج إلي قاض إنسان. مثله في ذلك مثل قوانين الأسرة في تطبيقها تتطلب إنسانية القاضي أي لابد أن يكون مراعياً كافة الظروف المحيطة بالمتقاضين.
صحيح ان القاضي في كافة الحالات. لابد أن يكون إنساناً سوياً يزن الأمور. يعرف عواقب ما يحكم به من مآس. أو أفراح هدفه العدل والحق. وهما صفتان من صفات الرحمن. ولذلك نقول دائماً إن الاخلال بأي من هاتين الصفتين جزاء المخل دنيوي قبل أن يكون في الآخرة. مثله في ذلك مثل عقوق الوالدين.. هل رأيت عاقاً لأبويه لم ينل جزاءه في الدنيا.. يناله في صحته في ماله في عقوق أبنائه. لابد من عقابه أمام الناس في دنياه قبل أن يلقي مولاه.
القاضي الجنائي لا تحكمه قواعد القانون فقط. إنما تحكمه أيضا الظروف الإنسانية التي يعيشها المتهم أو المجني عليه. ووجدانه. واطمئنانه إلي صحة الدليل أو عدم صحته هو الركن الأساسي في الفصل في القضايا الجنائية.. نعم القانون هو الحكم. ولكن وجدان القاضي الجنائي هو الهادي إلي تطبيق النص. ولا يكون القاضي عبداً لجمود النص أو عدم مرونته وعلي سبيل المثال ففي قضايا التهرب الضريبي يوم أن كانت جناية قبل تعديل القانون وجعلها جنحة. راعينا ظروف التاجر ومنشأته.
فإذا كان التاجر صاحب منشأة مرخصة. ولديه من العاملين المؤمن عليهم بالتأمينات الاجتماعية ونشاطه ظاهر واضح للعامة بجانب ظهوره أمام مصلحة الضرائب التي يجوب موظفوها من مأموري الفحص شوارع المدينة. يناقشون التجار. ويُجرون معاينتهم للمنشآت . فمن ثم فإن التاجر حينئذ إذا ما اسند اليه تهرب ضريبي. يلجأ القاضي الجنائي إلي مراعاة ظروف المنشأة. والعاملين بها. ونشاطها لاطمئنان وجدان القاضي ان الممول لم يقصد تهرباً وإلا ما استخرج ترخيصاً لمنشأته. أو أمن علي العاملين لديه. وفي حبسه خراب للمنشأة. وبالتالي طرد العاملين بها كما ان ذلك سوف يؤثر علي المتعاملين معها. والعمال الذين ينقلون بضاعتها والسيارات التي تعمل في نقل تلك البضائع. وعلي الباعة القطاعي. والتاجر المورِّد لها. كل ذلك سوف يلحقه ضرر بالغ. فضلاً عما تخسره مصلحة الضرائب من عدم وجود ممول. وكذا هيئة الكهرباء والوحدات المحلية التي تحصل رسوم تحسين المدينة. والترخيص. ومكاتب العمل. والدفاع المدني. والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية التي تستفيد من مقابل الاشتراك في التأمين علي العمال وهكذا طابور طويل من المصالح القومية والمنافع المتعددة التي تضيع بسبب حبس المتهرب من الضريبة.
ولما كانت القوانين الجنائية. جعلت العقوبات لها حد أقصي. وحد أدني كما حملت قواعدها نصوصاً لاستعمال الرأفة. وكذا جواز إيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات. فلماذا لا يستفيد المتهم الذي أدين من كل هذه القواعد. حتي لا تغلق منشأته وتضار هذه الجهات المذكورة.. قد يقول قائل: أين الردع.. نقول إن إيقاف تنفيذ العقوبة له مدة محددة. وإذا ما ارتكب التاجر جريمة تهرب أخري مرة ثانية خلال مدة الإيقاف. وثبت خطؤه. فسوف ينال جزاءه تنفيذ العقوبة عليه مع العقوبة الجديدة. ويكفي ذلك ردعاً.
ومن ثم كان قولنا دائماً هو أن القضاء الجنائي يحتاج إلي قاض إنسان يقظ الضمير عالي الخبرة. واسع الأفق لا يخشي في الأحكام العادلة لومة لائم.
والحمد لله القضاء المصري به رجال ذوو ثقافة قضائية أصيلة. وخبرة تتكون علي مدي سنوات طويلة. بدءاً من أول السلم القضائي من معاون نيابة. ثم الجلوس علي منصة القضاء. عضواً في اليسار ثم عضواً في يمين الدائرة. ثم رئيساً لدائرة. يتحري العدل. ويعشق الصدق وتدفعه الرحمة التي تكون دائماً فوق العدل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف