قلت في مقال سابق إن بداية الإصلاح الحضاري للمجتمعات تبدأ بإصلاح التعليم وبداية إصلاح التعليم تبدأ بالأستاذ القادر علي التأثير وإعداد رجال المستقبل ولكي نصل إلي هذا الأستاذ الذي يتميز بالذكاء الشديد والقدرة علي التأثير في تلاميذه فإنني أري أن الجدية في هذا المطلب تتحقق بإعلان الدولة عن تعيينها للمدرس فور تخرجه سواء في كليات التربية أو بعض أقسام اللغات ودار العلوم واللغة العربية والعلوم ومن شأن هذا الإعلان أن يدفع أعداداً كبيرة للالتحاق بهذه الكليات في هذا الجو الذي يعاني فيه الخريجون من البطالة الشديدة فنستطيع اختيار الأفضل منها وقد كانوا في الماضي يقيمون امتحاناً للمتقدمين إلي بعض الكليات مثل دار العلوم.
وبعد اختيار الطلاب يتم الاهتمام بإعدادهم علمياً وخلقياً وثقافياً وتوعيتهم بخطر مهمتهم التي تنتظرهم مع إعادة وضع المدرس إلي مكانته التي تليق به. والتي كانت موجودة في المجتمع سواء مادياً أو أدبياً. نعتقد أن ميركل رئيس وزراء ألمانيا لم تكن تعبث وهي تقول للقضاة حين طالبوا بأن يتساووا مع المدرسين مادياً أتريدون أن تتساووا مع أساتذتكم.
فإذا ما خرج إلي المجتمع مدرس بالمواصفات العلمية والأدبية المناسبة التي تعرف قيمة العلم وقيمة المهمة الملقاة علي عاتقه وأهمية الطالب كغرس يجب رعايته حتي يؤتي ثمرته المرجوة كما يحمل هذا الأستاذ من المواصفات ما يأخذ بعقول ومشاعر تلاميذه الباحثين عن العلم المتوثبين إلي المستقبل وكذلك المواصفات الأخلاقية من دأب وصدق وتفاني في أداء عمله وحرصه علي مصلحة تلاميذه ما يقدمه لتلاميذه كنموذج يتشوق تلاميذه أن يكونوا مثله فيعود المدرس الذي يخشاه تلاميذه بحب ويحبونه بإكبار.
إذا ما نجحنا في تخريج مدرس قادر علي إعداد رجال قادرين علي الإرتقاء بهذه الأمة فإن ما يتبقي من العملية التعليمية يكون بسيطاً وسهل التحقيق سواء في المادة العلمية أو العملية التعليمية لأن صناعة المؤمنين برسالتهم المتفائيين في أدائها ــ وهو أهم ما في أي عمل ــ لا يقدر عليه إلا الأستاذ أي يحققه البشر بسلوكهم وقيمهم العليا وتحفيزهم للمؤمنين بهم.
يأتي بعد ذلك دور الدولة التي تجعل من جهود هؤلاء الذين خرجوا الأستاذ وأعدوه واقعاً حيث تعين المدرس علي أداء عمله من ناحيتين الأولي تقديرهم التقدير المناسب الثاني القضاء علي كل ما يصنع الاحباط واليأس للمجتهدين وأول ذلك تراجع قيمة الاجتهاد في مقابل المحسوبية البغيضة أريد أن أقول إن نجاح صناع الإنسان في مهمتهم تحتاج إلي حرب للفساد يقنع المجتهدين أن الاجتهاد هو السبيل إلي الرقي ويقنع الفاسدين أن الأبواب الخلفية قد أغلقت تماماً.