جمال سلطان
وقفة ترحيب وتفاؤل بالصديق الأمريكي !
أخيرا هلت علينا ليالي وأيام دونالد ترامب ، الرئيس الأمريكي الجديد ، والذي طالما حلمنا به وبعهده في مصر ، حتى أن الإعلام الرسمي المصري عندما كان يزف أخبار انتصاراته على هيلاري كلينتون في الانتخابات كنت تتصور أنها الانتخابات المصرية ، أو أنه المرشح المصري لرئاسة الولايات المتحدة ، ومن فرط الحديث عن الصداقة المتينة التي تربطه بالرئيس السيسي والثقة المتبادلة والغزل المتبادل تتوقع أن هناك أغنية وطنية مصرية جديدة سيتم إعدادها احتفالا بتلك المناسبة السعيدة . على رغم تشاؤم العالم كله من وصول هذا العنصري العدواني إلى البيت الأبيض إلا أننا في مصر متفائلون ، وكل يتفاءل على ليلاه ، فأنصار السيسي متفائلون لما قدمنا من صداقته وأنه سيكون السند والظهر للسيسي ، ومعارضو والسيسي يتفاءلون بفترة تاريخية نادرة سنتخلص فيها من تشنجات الإعلام المصري المستدامة عن "المؤامرة الأمريكية" على مصر ، وهي المؤامرة التي كانت شعار المرحلة الماضية ، مرحلة أوباما ، حتى أنهم نسبوا لأوباما ـ ضمنيا ـ أنه مفجر ثورة 25 يناير الحقيقي في مصر وأنها خطة أمريكية هدفت إلى إضعاف الدولة المصرية وتفتيت قدراتها وصناعة الفوضى الخلاقة ، بل نسبوا إليه أنه صاحب الربيع العربي كله من تونس إلى سوريا مرورا بليبيا ومصر واليمن ، اليوم ، آن لنا أن نستريح من تلك الاسطوانة التي طالما صدعت رؤوسنا ، فها هو "الصديق" الأمريكي يصل إلى البيت الأبيض ، وها هو نصير السيسي وحبيب الشعب يصبح صاحب القرار الأول في واشنطن . نحن الآن نعرف ـ تقريبا ـ ما الذي تريده حكومة السيسي من ترامب ، ويتلخص في الدعم الاقتصادي من جانب وفي وقف الانتقادات لمشكلات حقوق الإنسان في مصر أو دعم المنظمات التي تطالب بالديمقراطية ، كما تأمل مصر في دعم إدارة ترامب لنظام بشار الأسد في سوريا وخطط تمكين الجنرال خليفة حفتر في ليبيا ، لكنا لا نعرف بالضبط ما الذي ينتظره الرئيس ترامب من مصر ومن سلطة السيسي تحديدا ، خاصة وأن ملفات المنطقة بالكامل تقريبا لم تعد في طوع الإدارة المصرية ، سواء في سوريا أو العراق أو اليمن أو السودان أو حتى ليبيا ، ناهيك عن بقية المنطقة العربية ، فهناك لاعبون إقليميون أصبحوا أكثر تأثيرا وحضورا في تلك الملفات ، كما أن بعضها بل أكثرها أصبحت رهن التدخل الدولي سواء من مجلس الأمن أو من روسيا أو التحالف الدولي برئاسة الولايات المتحدة ، كما أن الوضع الاقتصادي لمصر جعلها أكثر ضعفا أمام إمارات صغيرة في المنطقة وحساباتها السياسية والاستراتيجية ، بصورة أضرت كثيرا حتى بمصالح الشعب المصري ، والملف الوحيد الذي تملكه مصر بدرجة كبيرة وتملك قدرة على التصرف فيه هو الملف "الفلسطيني/الإسرائيلي" ، غير أن الرؤية التي قدمها دونالد ترامب أثناء الانتخابات وبعدها وحتى الآن لحل تلك الأزمة هي رؤية مناقضة تماما للموقف الوطني المصري تجاه قضية فلسطين تاريخيا ، وهذه هي المشكلة . مشروع ترامب في فلسطين له علامتان بارزتان ، الأولى هو نقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس اعترافا بها عاصمة للدولة اليهودية ، والثاني هو دعم هيمنة إسرائيل وكبرياءها ـ حسب تعبيره ـ في المنطقة والعالم ، بما يجعلها سيدة في محيطها ، ويأتي في سياق تلك الرؤية تقديم حل آخر للقضية الفلسطينية ـ الدولة المنتظرة واللاجئين ـ يعتمد على إيجاد توزيع جغرافي جديد في المنطقة بالتنسيق مع أكثر من عاصمة عربية . كلا العلامتين تمثلان قنبلة حقيقية إذا جرى تطبيقهما ، ولن يملك أي نظام سياسي عربي ، سواء المصري أو غيره أن يتماهى معهما ، وأي خطوة يقدم عليها ترامب فيهما ستعني إشعالا للنيران في المنطقة ، وهو ما يحمل القيادات الحالية عبئا بالغ الخطورة ، بين أن تصطدم بشعوبها وغضبها والنيران المشتعلة أو أن تتصدى للخطوات الأمريكية الجديدة فتخسر الرهان على ترامب بالكامل . رغم تشاؤم العالم كله من قدوم ترامب ، إلا أننا ـ لأسباب خاصة ـ مفعمون بالتفاؤل !