المصريون
ربيع عبد الرؤوف الزواوي
نبي الله عيسى عليه السلام
أجدُني منذ فترة- ليست بقصيرة- لا يكاد يغيب عن ذهني نبي الله عيسى عليه السلام... أجد له عليه السلام هذا الحضور الملحوظ في ذاكرتي وذهني في أوقات انفرادي وخلوتي... وأتساءل فيما بيني وبين نفسي؛ ما سبب ذلك؟ وأقول لعل في الأمر سرا... أو دلالة... لعل حياته البائسة عليه السلام؛ البائسة بمقاييس الدنيا، وشظف عيشه، وما كابد من مشاقّ، وما لاقي من عَنَت مع بني إسرائيل... هي مفتاح ذلك السر وتلك الدلالة... لعل حياته طريدا شريدا مُطارَدا مطلوبا من عصابة من المجرمين، والكهنة الكذابين، والأحبار الدجالين، وعباد المال البَطِرين، ودَهاقِنة الظلم... هي سر ذلك!.. لعل تتبُّعي هذه الأيام لما جاء عنه عليه السلام في القرآن؛ هو سر ذلك الحضور لشخصه الكريم في ذهني وبالي... لعل ما يدّعيه مَن يزعمون أنهم أتباعه الآن، وما أحاط بمِلته وشِرعته من أوهام وخرافات وتبديل وتغيير؛ هو السبب... المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام - يا سادة- عاش حياته الدعوية - وهي ثلاث سنوات - طريدا شريدا في البراري ليس معه من متاع الدنيا شيء... ولم يهنأ بعيش، ولا تزوج أمرأة، ولا اطمأن إلى بيت، أو نام على سرير... كان عليه السلام هو وحواريوه وتلامذته رضي الله عنهم يعيشون بعيدا عن أعين بني إسرائيل معظم الوقت... ثلاث سنوات من التعب والمشقة، ومكابدة الأهوال والمخاوف، وركوب الصعاب، ومواجهة المجرمين الكبار من الملأ في بني إسرائيل... وهو شاب في الثلاثين من عمره عليه السلام... عيسى عليه السلام نُبِئ في سن الثلاثين، ورفعه الله إليه في سن الثلاث والثلاثين... سبحان الله... أكرم عباد الله على الله في زمانه، وكلمته، وروح منه، ونبيُّه إلى بني إسرائيل، لا يجد طعاما ولا زادا اليوم واليومين والثلاثة... وربما أكثر من ذلك... كانت مهمته عليه السلام مع بني إسرائيل مهمة شاقة، وتكليف كبير شديد؛ فهم ليسوا عَصَبته، ولا هو منهم؛ فقد خلقه الله بقدرته بغير أب... ولذلك لم يرد في القرآن على لسانه عليه السلام ما ورد على لسان كل الانبياء؛ حيث يقول كل نبي لقومه: (يا قومي)... إلا عيسى عليه السلام، فكان يقول: (يا بني إسرائيل)... وجد عيسى عليه السلام أحبار بني إسرائيل قد انسلخوا من دينهم، وبدّلوا شريعة موسى عليه السلام، وأحالوها إلى مجموعة من القوانين يجمعون بها الأموال، ويكدّسون بها الذهب والجواهر في حزائنهم... وجدهم أقاموا معايشهم وعَمَروا دنياهم وسادوا الناس بدين ممسوخ وشريعة شوهاء؛ غير التي جاء بها موسى عليه السلام. ظل شغله الشاغل عليه السلام؛ أن يعيد الملة، وينشر التوحيد، وينقّي الشريعة، ويمحو التحريف، ويقيم المعوجّ، ويهديهم إلى سواء السبيل ... فصار يصارحهم، ويغشاهم في اجتماعاتهم، ويواجههم في عُقر دارهم بذلك... ويكشف زيفهم وتدليسهم على الناس... ويفضح باطلهم، ويجلي جرائمهم، ويبرز ضلالهم، ويسقط هالة القداسة التي صنعوها لأنفسهم في أدمغة الناس زورا وبهتانا... فكرهوه من أعماق قلوبهم، وحقدوا عليه من صميم وجدانهم، وانطووا على بغضه وعداوته، ولم يعودوا يحتملونه، ولا يقدرون على السكوت عما يواجههم به... فهاجوا وماجوا، ودسوا عليه، وخططوا وأشاعوا وأذاعوا فيه البهتان والكذب... واشتد مقتهم عليه لما جاءهم بشريعة جديدة، ونسخ بعض شريعة موسى... وكانوا يقولون له: كيف تفعل ما تنهانا عنه؟.. ولم يؤمنوا به... فكفروا وتولوا... وكان أكبر غيظهم منه كونه يبشر بمحمد عليه السلام، ويقول لهم إنه ليس منهم... وكان يأتيهم بوصفه الواضح الجلي الذي لا يختلف عليه اثنان... زاد حقدهم عليه يوما بعد يوم، حتى دبروا وخططوا لقتله، وقبضوا عليه وكادوا أن يقتلوه... لكن الله رفعه إليه، وألقى شبهه على كذاب خائن من تلاميذه، فقتلوه ظنا منهم أنه عيسى عليه السلام. ولم ينته المكر به وبما جاء به بعد رفعه، أو قتله في زعمهم... بل طاردوا أتباعه وحاصروا متبعيه...

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف