الأهرام
اسامة الازهرى
الحضارة فريضة إسلامية (9) متحف الفن الإسلامى ودلالات مهمة
كان متحف الفن الإسلامي بالقاهرة قد تعرض لأضرار شديدة عقب تفجير غادر قبل سنتين استهدف مبنى مديرية أمن القاهرة، وتسببت ضخامة التفجير في إلحاق الأضرار والخسائر الفادحة بالمتحف ومقتنياته، حتى تضافرت عدة دول ومؤسسات على الإسهام في مشروع ترميم المتحف، وهى الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة، وسويسرا، ومنظمة اليونسكو، وإدارة التعاون الدولي في وزارة الخارجية الإيطالية، وتم الترميم على مدى السنتين الماضيتين، إلى أن أعيد كل شيء إلى ما كان عليه، وتم حفل الافتتاح الذي حضره السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي والوزراء والممثلون لتلك الدول التي أسهمت في الترميم والتجديد، وأنا أدعو المدارس والجامعات إلى تنظيم رحلات دائمة لطلابها إلى هذا المتحف العريق ليعرفوا معنى الإسلام من خلال فنونه وجمالياته التي أبدعتها أيدي أبنائه على امتداد القرون والأزمان، وعلى اتساع دوائر الأعراق والأجناس التي انتمت إليه من الصينيين والهنود إلى عمق إفريقيا.

ولهذا المتحف الفن دلالة مهمة ينبغي ألا تغيب عنا، وهي أن تاريخ المسلمين وفنونهم يدين فكر الإرهاب ويبرأ منه ويرفضه، لأن المتحف بمقتنياته شاهد على مقدار ما برع فيه المسلمون من الصين إلى المغرب من فنون النحت والرسم والخط والزخرفة، مما يكشف عن أنهم ساروا في طريق الحياة والذوق الرفيع والجمال، وأن فكر الخوارج والتكفيريين والمتطرفين سار في طريق القبح وإهدار الحياة وتحويل العقول إلى حالة العمى والانطماس عن كل ما بثه الله تعالى في قرآنه الكريم من دلالات وإشارات إلى تذوق آيات الإتقان في هذا الكون حتى يقول سبحانه: (ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ) فيبين أن وصف الحسن والإحسان شامل لكل شيء، مما يحمل الإنسان المسلم على الإحسان في التعامل مع كل شيء، وهذا بعينه ما استنبطه الإمام العز بن عبد السلام بعقله المنير حينما نص في كتابه (القواعد الصغرى) على أن الشريعة بأكملها يمكن تلخيصها في كلمة الإحسان.

إنه متحف كبير وعريق، وشديد الثراء في مقتنياته وتحفه وآثاره، بل هو المتحف الأكبر في العالم في حفظ مجموعات متنوعة من الآثار والفنون الإسلامية جمعت من دول مختلفة، تمثل اتساع تاريخنا الإسلامي وامتداد أراضيه، فجاءت قطعه الفنية من مصر، والهند، والصين، وإيران، والجزيرة العربية، والشام، وبقية دول المغرب العربي، والعمق الإفريقي، حتى لقد بلغ من ثراء المتحف أنه يضم بين دفتيه نحو مئة ألف قطعة فنية، وهذا العدد شديد الضخامة، وتظهر لك ضخامته إذا قارنته بعدد مقتنيات متحف الفن الإسلامي الذي تم افتتاحه في الدوحة سنة 2008م حيث لم تتجاوز مقتنياته ثمانمائة قطعة!.

وتظهر قيمة متحف الفن الإسلامي إذا نظرنا إليه على أنه يجمع عصارة فنون المسلمين، وتذوقهم لمعنى الجمال، وكيفية فهم الإسلام على أنه يدفع الإنسان إلى الإبداع والرقي والبهاء، وعشق الحياة وتقديرها، وهيام الإنسان المسلم بالرصف والمعمار والرسم والتطريز والوشي والنحت في الرسوم واللوحات والأطباق والثريات والمصابيح والملابس والمعمار والبناء والتشييد، مما يكشف عن أن الإنسان المسلم عايش الوحي الشريف، وقرأ القرآن الكريم، ففهم منه أنه يدفع الإنسان إلى مستويات من الجمال والبهاء، ابتداء من شدة الحرص على الحياة وإحاطتها بكل عوامل الإكرام والتكريم والحماية، وحفظ الأنفس وحقن الدماء، ثم توفير متطلبات هذه الحياة من المآكل والمشارب والملبس والمسكن والكرامة الموفورة، ثم توفير متطلبات العقل ليفكر وينظر ويتأمل ويستدل ويبدع ويكتشف ويخترع ويقفز في العلوم على اختلاف دوائرها ومجالاتها، ثم الرجوع إلى كل ذلك بالتحسين والتجويد والتطوير والإتقان، حتى تنتهي معايشة العقل المسلم للوحي إلى أنه يحفظ الحياة ويحرص على تزويدها بكل عوامل الرخاء وليونة العيش ورفاهية النفس والذهن.

إنني أعتز اعتزازا كبيرا لا حدود له بمتحف الفن الإسلامي، وأراه شاهدا كبيرا على حضارتنا العريقة، التي تأسست على معنى العمران والجمال والخلود، واستمرار هذا الجمال في الدنيا والآخرة، وجعلت محورها بناء الإنسان على أساس الجمال في كل شيء، وتكفي كلمة النبوة الصادقة: (إن الله جميل يحب الجمال)، ومن خلال هذا المتحف يكتشف الإنسان ذاته وهويته، ويعرف نفسه، ويمتلئ طاقة وهمة تدفعه إلى يبدع اليوم مثل ما أبدع هؤلاء قديما، (وللحديث بقية).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف