فكرة محترمة تليق بما هو معهود فى هذا الشعب من عطف وتراحم، تلك التى أطلقها مجموعة من الأطباء المتطوعين عبر مواقع التواصل الاجتماعى لتوفير الدواء بالمجان لمن لا يقدر على شرائه من خلال إحدى الصيدليات بحلوان، موقع «اليوم السابع» حكى القصة كاملة، وأشار إلى أن الصيدلية تمنح الدواء لمن يقدم روشتة طبيب، وصورة بطاقته، بالإضافة إلى مفردات مرتب أو معاش صاحب المرض، ونقل عن أصحابها قولهم إن فكرة الصيدلية جاءت بعد شعورهم بأزمة المرضى الفقراء، ممن هم فى أمس الحاجة إلى العلاج ولا يجدون ثمنه، وأن الأوراق التى يطلبها القائمون على الفكرة من المريض هدفها الوصول بالدواء إلى من يستحقه فعلاً.
الفكرة شديدة الإيجابية، وتستحق التنويه والإشادة، فهكذا يكون العمل الأهلى، وهى جديرة بالانتشار فى كل حى داخل كل مدينة ومحافظة من محافظات مصر، لأنها فكرة معبرة عن معدن هذا الشعب الطيب، ورسوخ قيمة التكافل لديه. فداخل كل حى فى هذا البلد، يوجد مواطنون سيجدون سعادة حقيقية فى أن يمدوا يد العون إلى مريض يحتاج إلى علاج، ولا يجد ثمنه، قناعة منهم بفكرة التكافل التى تؤكد عليها الأديان، وتؤكد عليها أيضاً الثقافة الاجتماعية للمصريين، فطيلة تاريخهم يحرص المصريون على رعاية بعضهم البعض، والتراحم فيما بينهم، والتجربة التاريخية لهذا الشعب تشهد أن التكافل يعد أحد الأعمدة الاجتماعية التى مكنت هذا الشعب من الصمود أمام العديد من الأزمات، نعم ثمة قيم جديدة تسربت إلى هذا المجتمع خلال العقود الماضية، أدت إلى سيطرة الأثرة والأنانية على سلوكيات البعض، لكن يبقى أن الأزمات دائماً ما تدفع المصريين إلى استدعاء أكثر القيم نبلاً فى شخصيتهم، وربما كانت تلك هى الفضيلة الكبرى والأهم للأزمات التى يواجهها هذا الشعب.. وما أكثرها.
لا بد من الإكثار من هذه الأفكار والمبادرات، فلا بأس أن يعتمد الشعب على بعضه البعض، لكى يخفف من يقدر معاناة من لا يستطيع، خصوصاً فيما يتعلق بموضوع الأدوية التى تدهس أسعارها الجميع، ولا تستثنى فقيراً يعانى من ارتفاعها، الحكومة -من ناحيتها- تبدو عاجزة عن التعامل مع هذه الأزمة، سواء بسبب ضعف الأداء وقلة الموارد على مستوى شبكة التأمين الصحى، أو بسبب نظرتها إلى الشعب واتهامها له بأنه يكنز الذهب والفضة، ثم يدعى الفقر على الحكومة المديونة! ومن يتكل على الحكومة لحل مثل هذه المشكلة «هيبات كبده ينقح عليه»، لأن الحكومة عبقرية فى إيجاد المشكلات، ضعيفة كل الضعف فى حلها، إنها مثل أستاذ الرياضيات الذى يجيد وضع المسائل، ليعجز بعد ذلك عن تقديم إجابات عنها.
فكرة الصيدلية المجانية التى تمنح الدواء لمن لا يملك ثمنه، وغيرها من الأفكار الشبيهة، تمثل جزءاً من الحل ووسيلة من الوسائل التى يمكن أن تساعد هذا الشعب على عبور أزمته، ورغم احتفائى بها، إلا أننى أتمنى أن يبتعد أصحابها عن الإعلام من ناحية، وعن المسئولين الرسميين من ناحية أخرى، حتى لا تفقد الفكرة زخمها، ويتم تسييلها عبر مناقشات عقيمة لا قيمة لها، دعوا هذا الشعب لنفسه، وهو كفيل بحل مشاكله، ولو بصورة جزئية.