عندما ناشد سيدنا يوسف ابن النبى يعقوب ربه، أن يجعله على خزائن الأرض.. كان يقصد مصر.. فمصر هى الأغنى، على الدوام، من قديم الزمان وفى كل العالم القديم.. فهل جاءت هذه الدعوة، أو المناشدة، من فراغ؟!
أبدًا. مصر دائما غنية ليس فقط بما حباها الله من أرض وغذاء ونهر دائم الجريان.. وأيضا من شعب.. ولذلك فإن الصواب أن نقول إن مصر هى هبة المصريين، وليس كما قال المؤرخ اليونانى العتيد هيرودوت إن مصر هى هبة النيل.. فكم من أنهار جارية، فى مناطق عديدة من العالم.. ولكن أهلها لم ينجحوا - كما نجح كل المصريين - فى بناء هذه الحضارات، عبر التاريخ.
<< وثروة مصر.. مستمرة، فى السراء والضراء.. حتى وإن سرقوها.. بل يقولون إنه رغم كل ما تم سرقته ونهبه من ثروات مصر، عبر التاريخ - فإن مصر يظل فيها الخير العميم، وإلى يوم الدين.. بل نجد المصريين يتندرون من كل اللصوص، خصوصًا فى السنوات الأخيرة، يقولون إنه رغم كل الذى سرقوه من مصر.. فما زال هناك - عندها - وتحت أرضها وسمائها ما يمكن أن يعوض كل المصريين عما ضاع.. بل ويصلح للاستثمار ليعود بالخير العميم إلى هذه الأرض الطيبة.
<< وبسبب «دوام هذا الخير» فإن مصر، ومن أقدم الأقدمين كانت وظلت وسوف تظل مطمعًا لكل من هو دونها.. لكى ينهل من خيرها.
حدث هذا من الهكسوس والفرس والرومان.. ومن الحيثيين.. إلى المغول والتتار.. وأيضا الصيلبيين وصولا إلى العثمانيين والفرنسيين والإنجليز.. الكل طمع.. سواء بسبب ما فى بلادهم من قحط وجدب وقلة غذاء.. أو سعيا وراء حياة أفضل، إن تمكنوا منها.. وليس بعيدًا عن اليهود الذين تعبوا من الهروب مع النبى موسى ما قالوه لنبيهم إنهم يحلمون بمصر وعدس مصر وبصلها وفومها.. أى الحياة الهنية فيها.. وكان ذلك أيضا سببا رئيسيًا لأعتى جبابرة التاريخ هولاكو وجنكيز خان لكى يتحرك غربًا من غرب الصين إلى بلاد ما وراء النهر.. ثم النهرين وهناك - فى الشام - تطلع إلى مصر.. الجائزة الأكبر التى كان يحلم بها.
<< وكم من شعوب كانت غنية.. ثم زالت بزوال غناها. هناك الإمبراطورية الفارسية «دارا وقمبيز وحتى كسرى» والإمبراطورية العثمانية التى امتدت أراضيها إلى قارات العالم الثلاث الأساسية آسيا وإفريقيا وأوروبا.. وامبراطورية النمسا والمجر.. ما الذى بقى منها.. إلا ما تتحدث عنه كتب التاريخ وتماثيل شوارع فيينا وبودابست!!
إلا مصر.. حقيقى: ساعات تنكفئ بسبب سوء الإدارة والتكاسل والفساد.. ولكن سرعان ما تنهض مصر من جديد.. وتنطلق.. ليس فقط الآن، ولكن منذ عصور الفراعنة.. ما بين الانهيار ثم الصعود.. وما بين الاحتلال إلى الاستقلال.. بل أرى أن مقولة نابليون التى قالها للعالم: ويل للعالم إذا استيقظ التنين الأصفر، وكان يقصد الصين وربما اليابان.
أقول إن هذه المقولة تنطبق علينا، نحن المصريين. إذ سرعان ما عادت مصر تنهض إذا جاءها الشخص المناسب، فى الوقت المناسب.. أى المنقذ.. الذى يقصد امكانياتها فينهض بها وتنطلق معه ووراءه.
<< ولذلك أجدنى أكثر الناس تفاؤلاً واستبشارًا بالمستقبل.. بشرط أن يتحمل الناس المتاعب الحالية.. وأكيد هذا ما جعل الرئيس السيسى يرجو الناس فى منحه مهلة.. مدتها ستة شهور وهى مهلة لهم وليس للرئيس.