محمد جبريل
من المحرر .. الرواية .. حياة متجددة
اشار ميلان كونديرا إلي حديث يجري كثيراً. ومنذ وقت طويل. عن موت الرواية. وجد المستقبلون والسيرياليون أن الرواية ستختفي لصالح مستقبل مختلف تماماً. لصالح من لا يشبه ما كان موجوداً من قبل. وبتعبير كونديرا "ستدفن الرواية باسم العدالة التاريخية. تماماً كالبؤس. والطبقات المهيمنة. والنماذج العتيقة من السيارات. والقبعات ذات الشكل العالي". أضاف:"إذا كان علي الرواية أن تختفي. فليس لأنها قد استنفدت قواها. وإنما لأنها تتواجد في عالم لم يعد عالمها".
نبوءة كونديرا نشرت منذ أعوام طويلة.. فهل تحققت؟
الإجابة ــ بالقطع ــ لا!
أعلن ت.إس.إليوت في عشرينيات القرن الماضي أن الرواية ماتت. لكن الرواية لم تمت. بل إنها ــ كما نري ــ وجدت من يصف العصر بأنه عصر الرواية.
وفي الثلاثينيات من القرن الماضي أعلن ادموند ولسون إن القصيدة الكلاسيكية تلفظ أنفاس احتضارها. لكنها ظلت منتظمة الأنفاس. وفي حال صحية ممتازة.
وأذكر أن الصديق الراحل الناقد جلال العشري أعلن ــ في الستينيات ــ وفاة القصة القصيرة. وتبع رأيه بحيثيات تدفع محبي هذا اللون الإبداعي إلي ارتداء ثياب الحداد!.
قد تتعرض الرواية لحوادث تؤدي إلي انتكاستها صحياً. تلك الحوادث تتمثل في المنع والمصادرة والقهر الأيديولوجي إلخ.. لكن الرواية ما تلبث أن تتعافي جنساً أدبياً جميلاً. يضيف الي الإبداع بعامة.
وكما يري د.هـ.لورنس فإن الرواية أعظم اختراع قدمته البشرية. وفي تقديري أن امكانات الرواية بلا آفاق. بلا حدود. مثل البحر. انها اضخم من أن تستنفد. الرواية تحتوي الفنون والانسانيات بعامة. تمتلك قدرة حقيقية علي احتواء كل الأنواع الفنية. لا أعني الشعر والقصة القصيرة. وغيرها من ألوان الأدب. وإنما كل ما ينتسب إلي الفنون مثل السينما والمسرح والموسيقي والفن التشكيلي وغيرها.
يعجبني التعبير: الرواية من آخر المواقع التي يستطيع فيها الانسان أن يحتفظ بعلاقات مع الحياة في مجموعها. واللافت أن الرواية لم تعد مجرد سرد حكائي. انها قادرة علي استيعاب الكثير من الأنواع الفنية والأدبية.
يبقي أنه ينبغي للرواية أن تقدم لنا ــ علي حد تعبير بروخ ــ ما لا يمكن سوي للرواية وحدها أن تكتشفه.. وهو ما يطالعنا في القليل من الكثير الذي تدور به المطابع.