المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. بالونات في الهواء
قبل أن نبدأ ضربة الفأس الأولي في مشروع المليون ونصف المليون فدان حملت لنا صحيفة "الجمهورية" يوم الجمعة الماضية بشري طيبة.. إذ نقلت عن اجتماع اللجنة الوزارية لتنمية منخفض القطارة أن لدينا مشروعاً إضافياً لزراعة مليون ونصف المليون فدان جديدة في منطقة المنخفض تستوعب ملايين السكان.. وتخلق مجتمعاً عمرانياً متكاملاً يتسع لـ 20 مليون نسمة خلال العشرين عاماً القادمة.
لا تندهش من هول المفاجأة..فنحن ملوك المشروعات الجديدة والأفكار العملاقة.. وما أكثر المشروعات العبقرية التي تخرج من اجتماعات مسئولينا وتصريحاتهم.. مادامت الاجتماعات والتصريحات بدون جمارك.. ولا أحد يسأل أحداً عن المشروعات التي أعلنها.. ولا أحد يحاسب أو يراجع أحداً عن الطموحات التي طرحها.. ثم اكتفي بالقول دون الفعل.
لقد اختارت اللجنة الوزارية لتنمية منخفض القطارة أن تسلك نفس الطريق الذي سلكناه كثيراً من قبل.. وهو الحديث عن مشروعات تحال دائماً إلي المستقبل البعيد..البعيد جداً.. بما لا يجعل المسئولية محددة في رقبة أصحابها.. لأن أصحابها لن يكونوا في السلطة عندما يأتي هذا المستقبل فلا يجد المشروعات الطموحة جداً التي تكلموا عنها ولم تر النور.. ومن ثَمَ تظل التصريحات والمشروعات غير ذات موضوع.. مجرد بالونات في الهواء لتجميل الصورة لا أكثر.
وبهذه المناسبة.. ولتحقيق الشفافية والمصداقية.. نتمني أن تعلن الأجهزة المعنية في الدولة الحقيقة الكاملة بشأن مشروع المليون ونصف المليون فدان الذي أعلن عنه في زمن مبارك.. والذي تضمن زراعة 500 ألف فدان في سيناء علي ترعة الإسماعيلية و500 ألف فدان في توشكي و500 ألف فدان غرب النوبارية.
وإذا تعذر الأمر فيكفينا أن نعرف حقيقة ما حدث في مشروع توشكي.. وإلي أين انتهي هذا الحلم الجميل.. لعلنا نأخذ العبرة والعظة ولا نكرر المأساة.. فقد دفعنا فيه مليارات الجنيهات من خزينة الدولة المدينة.. وكتبنا عنه مئات الصفحات في الجرائد..وتغنينا به في الفضائيات..وتم حشره حشراً في المناهج الدراسية لأبنائنا يمتحنون فيه باعتباره مشروع القرن.. وعلامة علي عهد جديد وحضارة جديدة لمجتمع جديد.. ثم اتضح ــ للأسف ــ أن الموضوع مجرد بالونات في الهواء.. ولم يحاسب شخص واحد علي الخداع الذي عشنا فيه.
الآن.. تقول اللجنة الوزارية المعنية بتنمية منخفض القطارة في التقرير الذي نشرته "الجمهورية" إنها استمعت إلي اقتراحات وملاحظات الوزراء والمعنيين في ضوء الاكتشافات البترولية والمشروعات السياحية والزراعية والسيناريوهات التي أعدتها هيئة المجتمعات العمرانية لصناعات البتروكيماويات المقترحة وإنتاج الطاقة من المصادر المائية والمتجددة والمشروع الجديد لزراعة مليون ونصف المليون فدان لخلق مجتمع عمراني متكامل قريب من الساحل الشمالي والوادي.. وقدرت وزارة الإسكان إمكانية أن تستوعب المنطقة حوالي 20 مليون نسمة خلال العشرين عاماً القادمة.
ولا شك أن هذا الأمل جميل.. لكنه أمل بعيد.. لا مسئولية فيه علي أحد.. سيظل مجرد كلام لأنه يحيلنا إلي المستقبل البعيد.. البعيد جداً.. لماذا لا تكلموننا عن مسئولياتكم في الحاضر الذي نعيشه؟! لماذا لا يطرح كل وزير خطة محددة المعالم يجري تنفيذها في فترة زمنية محددة ليكون مسئولاً عن ذلك أمام البرلمان وأمام الشعب.. للأسف حتي بيان الحكومة دائماً يأتي بأمنيات وطموحات إنشائية وليس بخطط تنطوي علي مسئوليات محددة يمكن مساءلة أصحابها عما أنجز وما لم ينجز.
لقد أدمنَّا لعبة الإحالة إلي المستقبل البعيد جداً حتي تاهت المسئولية.. وصار من السهل علي أي مسئول أن يتحدث عن مشروعات عملاقة لعشرين وثلاثين عاماً لأن من الصعب جداً أن يتحدث عن مسئولياته خلال 6 شهور أو عام بلغة محددة وخطة محددة يساءل عنها.
يكفي هنا أن تعرف أن فكرة تنمية منخفض القطارة بدأت منذ حوالي مائة عام علي يد البروفيسور الألماني هانز بنك من جامعة برلين.. ومن ساعتها والحكومات المتعاقبة تتحدث عنه.. تتحدث فقط.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف