الوطن
عاطف بشاى
فى ذكرى مولده: «عبدالناصر».. حالة «شعبية»!
«عبدالناصر قالها زمان.. المصانع للعمال».. «عبدالناصر نام وارتاح.. بعدك حايكمل عبدالفتاح».. وسط هذه الهتافات احتفل حشد من العمال العام الماضى بعيدهم فى ضريح الزعيم الراحل «جمال عبدالناصر» بحضور نجله «عبدالحكيم» الذى طالب بإلغاء قانون الطعن على العقود الموقعة بين الحكومة والمستثمرين، وقال فى المؤتمر الذى عقدته حركة «حماية الضريح» إن «عبدالناصر» سعى لاستمرار كرامة العامل المصرى وحقه فى العيش والعمل.. وأكد رفضه بيع أى من مصانع الدولة التى بقيت تبعيتها للقطاع العام.. وأوضح أن بناء مجمع الألومنيوم الذى يعد من أقدم مجمعات الألومنيوم تم فى فترة حكم والده، بالإضافة إلى مصنع الحديد والصلب الذى يمثل مورداً رئيسياً فى الاقتصاد المصرى.

أما بمناسبة ذكرى ميلاد الزعيم الـ(99) فقد جمع الضريح أعضاء وممثلين عن أحزاب «الناصرى» و«الكرامة» و«الوفاق الوطنى» و«المؤتمر الشعبى الناصرى» (تحت التأسيس) قال «عبدالحكيم»، مؤكداً أن هناك عوامل عديدة تسببت فى الانشقاق الذى حدث للصف الناصرى الذى من مبادئه الوحدة وكان أبرزها تأسيس «حمدين صباحى» لحزب «الكرامة».. مشيراً إلى أنه أصبح غير مقتنع بالأحزاب الناصرية.. ولكنه مقتنع بالتيار المصرى الشعبى الذى يظهر فى كل أزمة ويرى أن «جمال عبدالناصر» أكبر من أن يكون فى غرف مغلقة.. لأن «جمال عبدالناصر» حالة شعبية.. وأضاف أننا نحتاج إلى العدالة الاجتماعية الغائبة.. واقتصاد قوى يعتمد على الأيدى المصرية وتشغيل مصانعنا المتوقفة التى أسسها «عبدالناصر»، وما زلنا نحتاج إلى إحياء الصيغ الرائعة التى صاغها «ناصر» فى الخطة الخمسية الأولى وحققت أكبر معدل تنمية صناعية وزراعية فى العالم، فمصر الآن تحتاج خطة تنمية حقيقية تستوعب كل الأيدى العاملة المصرية وتقضى على البطالة من أجل تحقيق حلم «عبدالناصر».

والحقيقة فى تركيز «عبدالحكيم» على الحديث عن التنمية الصناعية بالذات ما يبرره.. أن الزراعة تعتمد اعتماداً كبيراً على ما تحصل عليه من مياه النيل.. وهو ما يكفى لزراعة حوالى ستة ملايين من الأفدنة.. وبعد بناء السد العالى تم استصلاح مليون فدان جديدة كما تم العمل على الزيادة الرأسية عن طريق رفع إنتاجية الأرض بوسائل مختلفة.. لكن الاتجاه نحو التصنيع الوطنى يظل الوجه الآخر الأكثر أهمية لفتح آفاق النمو التى تعوض الإمكانيات المحدودة للنمو الزراعى من أجل تحقيق الاستقلال الاقتصادى.. ورفع مستوى الدخل وتوفير فرص العمل ودعم الاقتصاد الوطنى وموازنة المدفوعات الخارجية.

وفى أول يوليو 1956 أنشئت وزارة الصناعة وعين د.«عزيز صدقى» كأول وزير للصناعة.. وبهذه المناسبة يقول الأستاذ «سامى شرف» فى الكتاب الثالث من كتبه بعنوان «سنوات وأيام مع جمال عبدالناصر» إنه حدثت واقعة طريفة تتعلق بتعيين د. «عزيز صدقى» وزيراً للصناعة فقد سلمه «عبدالناصر» بحثاً تفصيلياً عن ثلاثة أشخاص هم: «عزيز صدقى» و«مصطفى خليل» و«سيد مرعى» على أساس أنهم مرشحون لتولى مسئوليات مهمة.. وطلب منه استيفاء بعض النقاط.. وحينما أتم البحث وعرض النتيجة عليه قال له «يا سامى أنا عاوزك تروح لهم فى منازلهم لإبلاغهم بالموعد المحدد لكل منهم لمقابلتى.. وعايزك فى نفس الوقت تبلغهم رسالته منى وهى أنه عند حلف اليمين ماحدش فيهم ينحنى أمامى».. وكان الدكتور «عزيز صدقى» هو أول من توجه إليه «سامى شرف» فى منزله الذى توصل إليه كما هو مدون فى دليل التليفونات يقول: «وجدت نفسى أمام فيلا وعلى بابها يافطة نحاسية مكتوب عليها: عزيز إسماعيل صدقى.. فتوقفت أمام هذا الخطأ فى العنوان الذى قد يترتب عليه مشكلة سياسية.. وتنبهت لأن معلوماتى أن الدكتور عزيز محمد صدقى لا يمت بصلة لإسماعيل صدقى (رئيس الوزراء فى الثلاثينات من القرن الماضى) وأنه لا يقيم فى فيلا.. فأكملت باقى الزيارات.. وعدت إلى المكتب لأتيقن من عنوان د. عزيز صدقى.. وفعلاً صوبت العنوان.. وتوجهت إليه حيث أبلغته بالموعد وبالرسالة».. وأصبح د. عزيز صدقى هو أول وزير للصناعة فى مصر الثورة.. وقد كلف بتحديد الدور الذى يجب أن تقوم به الدولة وبالتالى وزارة الصناعة فى تحقيق هدف دفع التنمية الصناعية.. وكان أول اعتماد مالى فى تاريخ مصر للاستثمار فى الصناعة هو (12) مليون جنيه اعتمدت فى ميزانية الصناعة عام (1958) وسارت عجلة التنمية بقوة وتم تنفيذ مشروع السنوات الخمس الأولى فى ثلاث سنوات.. وعلى ضوء النجاح الذى تحقق تقرر وضع الخطة الخمسية الأولى الشاملة للتنمية (1959 - 1964).. وفى عهد «عبدالناصر» تم إنشاء أكثر من سبعمائة وخمسين مصنعاً كان يسدد ثمن الواحد منها من إنتاجه على عشر سنوات.. وكانت هذه المصانع موزعة على جميع محافظات مصر.. منها ما يزيد على مائتين وخمسين مصنعاً للصناعات الثقيلة.. على رأسها مجمع الحديد والصلب بحلوان.. ومجمع الألومنيوم فى نجع حمادى.. ومصنع الفيروسيليكون فى «إدفو» ومجمع البترول بالسويس.

وبديهى أن التنمية التى سعت إلى تحقيق أهدافها عن طريق تلك التوجهات التى تمت فى إطار من الاشتراكية، كانت هى الأساس فى بناء مجتمع تعلو فيه قيم العدالة الاجتماعية.. الذى تذوب فيه الفوارق الطبقية.. وتستقيم فيه التجمعات الشعبية التى تعبر عن المصالح الفئوية من منظور قومى تنموى.. وتعمل على تجميع القدرات الذاتية ووضعها فى خدمة التنمية.

يمكننا إذاً من خلال ما سبق أن نقول إن فكرة العدالة الاجتماعية كانت هدفاً أساسياً شرع جمال عبدالناصر فى تحقيقه رغم كل العوائق.. فالعدالة الاجتماعية تتعلق بالفلسفة العامة للدولة وسياساتها الاقتصادية العامة.. وكلاهما يتعلق بالموقف الأخلاقى للدولة من قضية الفقر والغنى.. حيث انقسم المجتمع المصرى إلى دولة الفقراء التى تمثلها الأغلبية، ودولة الأغنياء التى تمثل أقلية استحوذت على معظم الدخل القومى.. ونمط التنمية المطلوب.. ونوع النهضة المنشود.. ولا يمكن الاستمرار فى عقد الآمال على قدرة ثورة (2013) على تحقيق العدالة الاجتماعية إلا بتحقيق هذا الشرط.

إن الثورة الحقيقية تعنى العدالة الاجتماعية.. فبدون العدالة الاجتماعية لا تتحقق الديمقراطية ولا الحرية الإنسانية.. ولا الكرامة الإنسانية.. لا تتحقق الثورة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف