أساهم في المناقشات التي لا تنتهي حول هذا الحدث الخطير، ولذلك سأناقش موضوعاً أراه مهماً، وهو : هل كانت 25 يناير ضرورية ؟
ستبقي ثورة 25 يناير موضوعاً لمناقشات لا تنتهي لسنوات طويلة قادمة، ففي كل يوم تنكشف حقائق جديدة، وتصدر كتب جديدة، ويتحدث مسئولون عاصروا أحداثها أو شاركوا فيها. وقد رأينا مثلاً ما كتبته هيلاري كلينتون في كتابها عن الربيع العربي وما حدث في مصر، وسمعناها تتحدث إلي وسائل الإعلام حول الموضوع نفسه، كما استمعنا لخطاب جون برينان رئيس المخابرات الأمريكية أثناء فترة حكم أوباما، الذي قال في خطبة الوداع قبل أن يغادر منصبه ∩ إن الإدارة الأمريكية ومخابراتها أخطأتا بشكل كبير في التعامل مع أحداث ما يعرف بالربيع العربي، وكانت توقعاتهما وما ينتظرانه منه غير واقعية بالمرة ∩ أضف لهذا كتاب وائل غنيم، بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه. كل هذه الكتابات والأحاديث، بل والتسريبات التي تظهر كل فترة مجرد بداية، سيتبعها ظهور الكثير من المعلومات، ومع كل جديد ستثور المناقشات من جديد.
وفي هذا المقال أساهم في المناقشات التي لا تنتهي حول هذا الحدث الخطير، ولذلك سأناقش موضوعاً أراه مهماً، وهو : هل كانت 25 يناير ضرورية ؟
في رأيي أنها كانت ضرورية لعدة أسباب، منها :
أولاً : رفض الشعب لفكرة التمديد، فقد حكم مبارك مصر ثلاثين عاماً، وهو بذلك صاحب ثاني أطول فترة حكم في العصر الحديث بعد محمد علي، الذي حكم 43 عاماً. ولعلنا لم ننس أن صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني قال في 2010، في معرض الحديث عن انتخابات الرئاسة المقررة في 2011 ∩ ليس لنا مرشح غير مبارك ∩، أي أن الخطة كانت إعادة ترشيح الأب في حالة عدم ضمان نجاح الابن.
ثانياً : رفض التوريث، ابتدع حافظ الأسد فكرة التوريث، وتابعه عدد من الرؤساء العرب، ومنهم مبارك، وظهر إلي الوجود نظام نصف ملكي نصف جمهوري، يمكن أن نسميه مجازاً : ملكهوري، لا يترك الحاكم فيه مقعده طوال حياته، فإذا مات ورثه ابنه من بعده. ومهما أنكر بعض الكتاب فكرة التوريث فأنا أري أنه كان حقيقة. وأذكر أن مبارك نفاه في أحد أحاديثه، ووقتها سألت أحد المقربين جداً من جمال مبارك عن رأيه في هذا فقال ∩ليس من حق مبارك أن يصادر حق ابنه الدستوري، فالدستور يبيح له مثل أي مواطن مصري أن يرشح نفسه ∪. لقد كانت هناك خطة ممنهجة لتحقيق هذا الهدف، فجمال فرض سيطرته علي السلطة التنفيذية، إذ جاء برجال الأعمال للوزارة ليساندوه، وقام أحمد عز بدور أساسي في تجهيز البرلمان لاختياره، وزور الانتخابات الأخيرة بفجاجة ليضمن أغلبية مطلقة للحزب الوطني الذي سيقول نعم لجمال. ووصل الأمر لحد أن المناصب العليا في الدولة كان من مسوغاتها عضوية لجنة السياسات أو العلاقات الوطيدة بأحد أفراد الأسرة الحاكمة
ثالثاً : رفض سيطرة الحزب الواحد، صحيح أنه كانت هناك أحزاب أخري لكنها كانت أحزاباً كارتونية، تعمد الحزب الوطني تجفيفها كي يبقي منفرداً في الساحة. وكان الانتماء لهذه الأحزاب معناه عدم الترقي في المناصب الحكومية العليا، أو عدم حصول النواب المعارضين علي خدمات مناسبة لدوائرهم. والمعروف أن الحزب قد تآكلت شعبيته في السنوات الأخيرة، وكان لا يحصل علي الأغلبية إلا بضم النواب المستقلين الذين ينجحون في الانتخابات.
رابعاً : رفض الشعب لتحالف رأس المال مع السلطة، وقد تحقق التلاحم بين الاثنين خلال سنوات ما قبل الثورة بشكل زاعق.
خامساً : رفض الحكم بالوكالة، إذ كان معروفاً أن مبارك لا يحكم منذ وفاة حفيده، وأن الحاكم الفعلي هو جمال. وأكد هذا حسام أبو الفتوح آخر أمين عام للحزب الوطني
سادساً : رفض استئثار رجال الأعمال بمعظم عوائد التنمية، هذا الاستئثار الذي ترتب عليه انتشار ظاهرة العشوائيات، وظاهرة أولاد الشوارع، وارتفاع نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر.
لهذه الأسباب وغيرها كان لابد أن تقوم الثورة.