تنقسم السنة النبوية القولية والفعلية والإقرارية إلي ثلاثة أقسام: الأول جاءت فيه متطابقة مع ما جاء بالقرآن فكانت مؤكدة له مثل: ما جاء في البخاري.. "سألت النبي صلي الله عليه وسلم أي العمل أحب إلي الله قال الصلاة علي وقتها قال: ثم أي قال: بر الوالدين قال: ثم أي قال: الجهاد في سبيل الله".. وهو تأكيد لقوله تعالي: "والذين هم علي صلواتهم يحافظون" "المؤمنون الآية 9".
والثاني ما كان بيانا لما جاء بالقرآن وتفصيلا لمجمله أو تقييدا لمطلقه أو تخصيصا لعامه. والثالث ما جاء متضمنا حكما جديدا وهذا هو موضع الجدل الذي أثار أولئك الذين رفضوا أن تكون السنة قد تضمنت ما لا يتضمنه القرآن من أحكام جديدة وقالوا ما طابق القرآن أخذنا به وما خالفه رفضناه مهما كان وقبلهم قال بعضهم أصحاب الهوي لا نأخذ إلا ما جاء بالقرآن الكريم أي رفضوا القرآن جملة وتفصيلا وسموا أنفسهم باسم جاذب وهو "القرآنيون".
أما القرآنيون فلم يتوقف العلماء أمامهم مطلقا لأن غايتهم واضحة وهذا الاتجاه موجود منذ القدم وله سمات لا تتغير أوضحها السعي إلي خلط الأمور والتفلت من الإسلام وتسطيحه. وقد جاء في الأثر أن عمران بن حصين. كان جالسا ومعه أصحابه. فقال رجل من القوم "لا تُحدثونا إلا بالقرآن. قال: فقال له: ادنه. فدنا. فقال: "أرأيت لو وُكلت أنت وأصحابك إلي القرآن. أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعاً. وصلاة العصر أربعا. والمغرب ثلاثا. تقرأ في اثنتين؟ أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلي القرآن. أكنت تجد الطواف بالبيت سبعا. والسعي بالصفا والمروة؟ ثم قال: أي قوم خذوا عنا فإنكم. والله إن لا تفعلوا لتضلن".
الشيخ علي حسب رحمه الله في كتابه أصول التشريع الإسلامي يشير إلي أن الكلام بأن السنة قد تأتي بحكم جديد ليس في القرآن هو مشكلة لفظية فقط لأن ما يتصور أنه جديد يتضح أنه في إطار القرآن وإنما جاء كما يأتي الفرع بالنسبة للأصل فإذا ألحق الفرع بأصله وضحت حقيقة أصليته.
فأما إلحاق الفرع بأصله فيتمثل في أن الله أحل الطيبات وحرم الخبائث وهناك ما اشتبه فيه كالحمر الأهلية وذي الناب وذي المخلب فنهت السنة عن آكل الحمر الأهلية وحرمت كل ذي مخلب أو ناب.
ومنه أن الله أحل شرب ما لا يسكر كاللبن والعسل وحرم المسكر وهو الخمر فماذا عما لا يسكر لكنه يخشي أن يسكر كالذي يصنع في أواني تحوله إلي مسكر أو يتحول إلي مسكر بعد فترة إذا ما ترك لمدة فإنه يلحق بالمسكر ويصبح تحريمه إلحاقا بتحريم المسكر رغم أنه في أصله حلال.