هناك خيط دقيق جداً يفصل بين الحرية والفوضي مثله مثل الخيط الفاصل بين حرية الفن ومسئولية الفن.
في هوليوود علي سبيل المثال حيث الحريات مطلقة وبلا أي قيود تجد هناك التزاماً أخلاقياً عندما يتعلق الأمر بسمعة الولايات المتحدة. هم يكتبون تاريخهم أو حتي يزيفونه إذا لزم الأمر حتي تظل صورة الوطن أمام الاجيال الجديدة ناصعة مبهرة.
والذي يشاهد هذا الكم الكبير من الأفلام عن حرب فيتنام سيتوصل إلي حقيقة واضحة وضوح الشمس مفادها أنهم يسجلون الأحداث حسب رؤيتهم وليس كما جرت. ويصورون الجنود الأمريكيين علي أنهم فرسان يصنعون الخير لأهل البلاد ولم يطرح فيلم واحد السؤال المنطقي والبديهي: لماذا ذهب الأمريكان إلي هناك؟!
هم يكتبون تاريخاً مزيفاً ويسجلون مجداً مصطنعاً لسبب بسيط ان هذا البلد الكبير الذي يسيطر علي مشارق الأرض ومغاربها ليس له تاريخ يذكر المنتجون استسلموا لمقولة "الجمهور عاوز كده" وتفرغوا وتسابقوا في تقديم أفلام تجارية باعتبارها الأسهل انتاجاً والأضمن بحسابات المكسب والخسارة. رغم أن كل الأعمال الاستثنائية الجادة التي أنتجناها علي فترات متباعدة أكدت كذب وزيف تلك المقولة.
والسؤال: أين الدولة مما يحدث وهل استسلمت ورفعت الراية البيضاء أمام طوفان الأعمال الرديئة والمبتذلة التي أفسدت الأخلاق والذوق العام. ولماذا لا تتدخل ولو بتقديم امتيازات وتيسيرات لتشجيع الراغبين في انتاج أعمال جادة؟!
وبما اننا مازلنا في أجواء احتفالات ذكري تحرير سيناء.. لماذا لا يتم طرح مبادرة لإنتاج فيلم ــ أو سلسلة أفلام ــ عن أرض الفيروز تبرز معالمها الخلابة وأيضاً تجسد ما يتم علي أرضها من بطولات وتضحيات يقوم بها أبناؤنا من رجال الجيش والشرطة وأبناء القبائل الشرفاء لكي تظل سيناء مصرية؟
هذا العمل سيحقق عدة أهداف أو بمعني آخر سيضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. أولاً.. سيقدم فناً راقياً يعيد الجمهور للسينما بعد أن أصبحت دور العرض السينمائي خلال السنوات الأخيرة حكراً علي فئة عمرية وشريحة اجتماعية بعينها.
ثانياً: توضيح حقيقة ما يجري علي أرض الفيروز وحجم التحديات والتضحيات التي يقوم بها أبطالنا بصورة ترفع الروح المعنوية لدي الجنود والمصريين عموماً الذين تختلط عليهم الأمور ولا يفهمون ما يدور هناك.
ثالثاً: توثيق تلك المرحلة المهمة التي يتعرض فيها الوطن لهجمة شرسة ومحاولات مستمرة ومستميتة لتقسيمه ليكون مرجعاً للأجيال القادمة فالسينما ذاكرة الأمة كما يقولون.
رابعاً: تعميق الانتماء لدي الشباب بأهمية الدفاع عن تراب الوطن السينما يمكنها القيام بدور كبير في تصحيح المفاهيم والأفكار المغلوطة.. المهم أن تستعيد هويتها المفقودة.