المصريون
جمال سلطان
عندما يهنئ الجيش الرئيس بذكرى ثورة يناير المجيدة !
من جديد تؤكد القوات المسلحة المصرية على ولائها لثورة يناير ، وشرعية ثورة يناير ، وانتصار ثورة يناير ، وبطولات ثورة يناير ، ويؤكد الجيش المصري من جديد على أن ثورة يناير هي التي أخرجت مصر من ظلمات الفساد والاستبداد إلى نور الحرية وهي التي حققت آمال الشعب المصري وعبرت بصدق عن مطالبه المشروعة ، وبمناسبة الذكرى السادسة لثورة 25 يناير المجيدة بعث الفريق أول صدقى صبحى، القائـد العـام للقـوات المسلحـة، وزيـر الدفـاع والإنتـاج الحربـى، برقيـة تهنئـة للرئيس عبد الفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، جاء فيها:"السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى، رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، يسعدنى أن أبعث إلى سيادتكم فى ذكرى يوم مجيد من أيام الوطنية المصرية يوم الخامس والعشرين من يناير بأصدق آيات التهانى مع الذكرى السادسة لثورة الشعب التي حمتها القوات المسلحة وساندت مطالبها المشروعة في الحياة الحرة الكريمة". الفريق محمود حجازى رئيس أركان حرب القوات المسلحة أرسل برقية مماثلة لرئيس الجمهورية لتهنئته بذكرى ثورة يناير (المجيدة) ، حسب الوصف الدقيق للجيش المصري . وأصدر الفريق أول صدقى صبحى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي توجيهاً لتهنئة قادة وضباط وصف وجنود القوات المسلحة وأبطال القوات المسلحة بسيناء وأفراد القوات المسلحة المشاركين بقوات حفظ السلام والعاملين المدنيين بالقوات المسلحة بمناسبـة ذكرى ثورة 25 يناير ، كما أصدر الفريق محمود حجازى رئيس أركان حرب القوات المسلحة توجيهاً مماثلاً لرجال القوات المسلحة بنفس المناسبة . نحن هنا أما تأكيد متجدد من القوات المسلحة المصرية على شرعية ثورة يناير ، وعلى الافتخار بأن الجيش المصري شارك في ثورة يناير وحمى ثورة يناير وانحاز إلى شباب ثورة يناير وأيد مطالبهم المشروعة حسب وصفه الدقيق ، وهي الثورة التي أطاحت بنظام مبارك ومؤسساته وثارت على شرطته وجهازه الأمني وقام المجلس العسكري بحل جهاز أمن الدولة صاحب السمعة السيئة والبشعة في انتهاكات حقوق الإنسان وإهدار كرامة المصريين استجابة لمطالب ثوار يناير وأبطلت الثورة قوانين مبارك وأطاحت بدستوره أيضا وأسست شرعية دستورية جديدة وأسقطت برلمانه وحلت حكومته وأجبرت مبارك نفسه على التنحي ، وقدمت شهداء من شبابها وشيوخها ونسائها ، وقف الجيش المصري أمام دمائهم بكل إجلال وتوقير وقدم المجلس العسكري التحية العسكرية لهم كشهداء مصر ، وكانت جميع الإجراءات والخطوات التي أثمرت من ثورة يناير منذ 11 فبراير 2011 وحتى الأول من يوليو 2012 تمضي بقرارات من المجلس العسكري ، الممثل لجيش مصر ، أو بموافقته ، وحتى قرارات الإفراج عن المعتقلين الإسلاميين ومنهم المحكومين بالإعدام كانت تصدر باسم المجلس العسكري وبتوقيع المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس والمفوض بإدارة شئون البلاد . لماذا نعيد التأكيد على تلك المعاني البديهية ، ولماذا نهتم من جديد باحتفالات القوات المسلحة بثورة يناير ووصفها بالثورة االمجيدة التي حررت شعب مصر وعبرت عن مطالبه المشروعة ، لأن هذا هو الركن الركين لأي شرعية أتت بعدها ، ولأن هذا رد اعتبار متجدد لرموز ثورة يناير وشبابها وبناتها وشيوخها ، وإقرار بأن هؤلاء النشطاء ـ الذين يوصفون في إعلام الدولة الرسمي حتى الآن بنشطاء السبوبة ـ هم الذين عبروا عن المطالب المشروعة للشعب المصري بشهادة الجيش ، وأن هذه الثورة هي ثورة الجيش والشعب معا ، وأي تطاول على هذه الثورة هو إهانة لجيش مصر قبل أن يكون إهانة لأي مشارك في تلك الثورة ، وأي اتهام لثورة يناير بأنها مؤامرة أو أنها لعبة أمريكية ـ كما يزعمون حتى الآن ـ هو سب وتشهير بالقوات المسلحة المصرية نفسها ، واتهام لجيش مصر بأنه كان شريكا في مؤامرة وأنه حمى مؤامرة ، وهي اتهامات تستحق المحاكمة العسكرية لقائلها قبل المحاكمة المدنية . أعرف ـ ويعرف كثيرون ـ أن الدولة المصرية وأجهزتها الأمنية ومؤسساتها بالكامل ، تقريبا ، تتعامل مع ثورة يناير ورموزها وكل من شارك فيها ، بعدوانية ، واحتقار ، وتعتبرها مؤامرة ، وقالوا ذلك علنا في الإعلام الرسمي والإعلام الخاص الموالي للنظام الحالي ، ويعتبرون أن الربيع العربي كله ـ وفي القلب منه ثورة يناير ـ لعبة أمريكية ، والبعض يزيد في التفلسف والفذلكة فيحدثك عن أنها جزء من حروب الجيل الرابع لتدمير مصر ، وأن من قادوا المظاهرات ضد مبارك تدربوا ـ وفق المؤامرة ـ في صربيا ، ومولتهم المخابرات الأمريكية ، وكلام طويل عريض من هذه الأكاذيب والخرافات ونفايات الأفكار والخيالات المريضة ، لمجرد تشويه ثورة يناير ، أنبل حدث سياسي في تاريخ مصر الحديث ، والحط من مكانتها ووهجها ، وهو أمر يحيرك فهمه ، خاصة وأنت ترى رئاسة الجمهورية والمؤسسة العسكرية بالكامل تتبادل التهاني سنويا احتفالا بهذه "الثورة المجيدة" وتتفاخر القوات المسلحة بأنها كانت شريكة فيها وحامية لها وداعمة لمطالبها التي وصفتها بالمشروعة . مصر تعيش محنا كثيرة هذه الأيام ، اقتصاديا وأمنيا ، لكنها تعيش محنة أعمق من ذلك ، محنة غياب هوية الدولة نفسها ، ورؤيتها السياسية حتى تلك المتعلقة بشرعية وجود النظام نفسه ، دولة تعيش مؤسساتها تناقضا مخيفا في الوعي ، وترددا في حسم اختياراتها ، وهذا ما يربك قراراتها الداخلية ، ويدمر الثقة بمؤسساتها ، ويجعلك تتصور أنك تتعامل مع دولتين في مصر ، دولة ترى ثورة يناير ثورة شعبية مجيدة صححت المسار وأنقذت مصر من الفساد والديكتاتورية وبالتالي فالنظام الحالي يقوم أساسا على شرعية يناير التي هدمت كل ما كان قبله ، ودولة أخرى تراها مؤامرة أمريكية لتخريب مصر وإضعاف مكانتها ولكنها تهرب من الإجابة عن سؤال الشرعية التي ورثت بها نظام مبارك .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف