المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
سيناء: مطرقة الإرهاب.. وسندان المعاناة
لا تقلقنى قضية الإرهاب فى سيناء .. بقدر ما يقلقنى التشدد الأمنى، للدخول والخروج من سيناء.. وأقصد به موضوع «الكارت الجنائى» الذى له الكلمة الأولى فى الدخول والخروج من هناك.. ليس فقط لأبناء سيناء.. ولكن دخول وخروج كل المصريين، أبناء الدلتا والصعيد.. وأيضاً السياح!!
بداية، نعترف أننا نواجه فى سيناء وضعاً «كان» يمكن أن يسقط الدولة هناك.. فالإرهاب هناك يتمركز.. سواء من بعض أبناء سيناء، وهم قلة، أو ممن يتسللون عبر الأنفاق إلينا، عبر رفح.. من حماس، أو الدواعش، أو من ضعاف النفوس.. ممن يتم تحويلهم.. وتسليحهم.. وتدريبهم سواء خارج سيناء.. أو داخل سيناء.

ورغم ما تقوم به القوات المسلحة المصرية لمواجهة هذا المخطط الإرهابى الرهيب وهو آخر الأوراق فى أيدى أعداء مصر.. ورغم الصعوبة أمام أى جيش منظم فى العالم، فى مواجهته لأى أعمال فدائية - إرهابية، أسلوبها: اضرب واهرب، وفيها من عناصر المفاجأة الكثير الذى يجعل من عمليات الإرهابيين مفاجأة لأى قوات ثابتة.. وهذا أهم أسباب «إطالة» مدة العمليات العسكرية ضد الإرهابيين.. ويجعل الناس خارج سيناء يتساءلون: هل من نهاية؟.. هنا أقول إن أبناء سيناء الذين أثق تماماً بوطنيتهم وعمق ولائهم للوطن.. أخذوا يتململون.. أى يزداد قلقهم ومعاناتهم بالذات مع الإجراءات الأمنية التى تتزايد، يوماً بعد يوم.

وأعترف أن معظم أبناء سيناء ذاقوا الأمرين من قضية تهجير إخوانهم عند الشريط الحدودى فى رفح المصرية، حتى يتم إخلاء المنطقة لتسهيل عمليات التصدى للإرهابيين.. وتركوا بيوتهم.. ومزارعهم.. وقراهم.. وقبلوا قضية التهجير مؤقتاً مع تعويضهم.. إلا أن طول العمليات الإرهابية زادهم ألماً بسبب طول مدة التهجير.. وأعترف أكثر أن أهم أهداف الإرهابيين هو إطالة مدة التهجير.. وبالتالى تزيد المعاناة.. وربما الضجر والقسوة.. وأيضاً رد الفعل.. حتى يزداد اقتراب القلة السيناوية من إغماض العيون عن إخطار السلطات المصرية بأى تحركات إرهابية.

ثم لقمة العيش.. فلا أبناء شمال سيناء ينجحون فى نقل منتجاتهم الزراعية من هناك إلى الدلتا ووادى النيل بفعل إجراءات التأمين والنقل والتفتيش.. مما يجعل كثيراً من هذه المنتجات يصيبها التلف، وهنا يخسر السيناوية الجلد والسقط.. ولا هم يحصلون على تعويضات مالية عن ذلك.. ولا هم يحصلون على احتياجاتهم من المواد الغذائية بسهولة، من الدلتا أو الصعيد.. وبذلك لا تتوفر لهم - بسهولة - لقمة العيش.. فلا أجور.. ولا ناتج زراعة.. أو تجارة.. ولا فرص عمل ولا حتى مساعدات غذائية كافية، تصل إليهم.

هنا نقول: إن الدولة المصرية - وعلى مدى قرون عديدة - كانت تقدم لأبناء سيناء معونات غذائية كثيرة من دقيق وسكر وزيت وشاى وحبوب، وأعلم أن ذلك مازال مستمراً.. ولكن مع شدة الإجراءات الأمنية الحالية، وقسوتها والتضييق بسببها.. لماذا لا تقدم الدولة المصرية لأبناء سيناء «بدل بطالة» يعوضهم بعض الشىء عما يعانون منه.. وعن الغلاء الذى يزيد هناك، بسبب هذه الإجراءات.. خصوصاً للشباب وليس فقط لشيوخ القبائل وعواقلهم.. حتى للذين لجأ بعض أبنائهم إلى الجبال والوديان هرباً من الاشتباه.. أو المطاردة لأسباب واهية ومنها مثلاً قيادة السيارات دون ترخيص؟!

** ولماذا - مثلاً - لا يتم إعفاء أبناء سيناء - الآن وإلى أن يعود السلام والهدوء إلى هناك - من كل أعباء الضرائب.. خصوصاً على المحاصيل الزراعية وعلى الأرض، وعلى الوحدات الإنتاجية الصغيرة، ولو كانت مجرد معصرة لزيت الزيتون أو معمل صغير للتمور وحفظها أو معمل للمخللات؟

** ولماذا - مثلاً أيضاً - لا يتم إعفاء الطلبة السيناوية من كل الرسوم الدراسية.. نسهل لهم الانتقال من وإلى مدارسهم.. ونقدم لهم مستلزمات كل العملية التعليمية من الابتدائى إلى الجامعة.. حتى إن طلبنا تنظيم حملات للتبرع - من كل المصريين - لكى ننفذ ذلك.. وهو قليل؟

** نقول ذلك لأن أهالى سيناء فقدوا حوالى 20 ألف فدان كانت مزروعة بالزيتون والخوخ واللوز والبطيخ والكنتالوب وباقى الخضروات والموالح والمانجو.. تماماً كما يحدث عندنا عندما اقتلعت الحكومة مساحات كبيرة كانت مزروعة بالقصب.. فى الصعيد، حتى لا يرتفع صوت يتحدث عن أساليب إسرائيل مع مزارع الزيتون والموالح فى فلسطين.

أما قضية الكارت الجنائى الذى ينفذ الآن فى سيناء.. فهى موضوع مقالنا غداً.. حتى لا يقع السيناوية بين مطرقة الإرهاب وسندان المعاناة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف