بوابة الشروق
زياد بهاء الدين
بعد ستة أعوام.. كيف نقيم ثورة يناير؟
لا أظن أن فى الشعب المصرى من لم يدفع ثمنا ما خلال السنوات الست الماضية من جراء الأحداث والصراعات والأزمات التى مر بها البلد عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير. الثمن اختلف بالتأكيد من شخص إلى آخر ومن مجموعة إلى أخرى. هناك من ضحوا بحياتهم دفاعا عن حق أو مبدأ أو أمن الوطن وسلامة مواطنيه ولا يزالون يعرضون أنفسهم للموت كل يوم، وآخرون فقدوا عيونا وأقداما وسواعد، وأعداد غفيرة وقعت تحت طائلة قوانين غامضة ومحاكمات جائرة وصراعات سياسية تلفحت برداء قانونى، وأكثر منهم تعرضت تجارتهم للتعثر وأعمالهم للاضطراب ووظائفهم للضياع، وعائلات ودعت أبناءها الباحثين عن وطن بديل. ومن لم يفقد حياته أو حريته أو تجارته، خسر أصدقاء وجيران وأقارب بسبب الخلافات التى قسمت الوطن إلى جبهات متناحرة.

فإذا أضفنا إلى ما سبق ما يمر به البلد من أزمة اقتصادية، واحتقان سياسى، وإرهاب، فإن السؤال يثور حتما عما إذا كانت ثورة يناير نعمة أم نقمة، انتصارا لارادة الشعب أم مؤامرة على البلد، خطوة للأمام فتحت أبواب الحرية والمساواة والعدالة أم نكسة لمسيرة إصلاحية تدريجية كان يمكن أن تفضى إلى نتائج أفضل من الوضع الراهن.

ولكن فى تقديرى أن هذه الأسئلة ليست ملائمة لفهم ما جرى فى مصر خلال السنوات الست الماضية، ولا للحكم الموضوعى على ثورة يناير. فالثورات الشعبية، خاصة حينما تفتقد لقيادة منظمة، لا تقاس بما تحققه من نتائج مباشرة فى الأجل القصير لأنها فى جوهرها لا تكون عملا واعيا ومدروسا، بل تحول مفاجى وغير محسوب العواقب، يعبر عن خلل بالغ فى المجتمع وعن يأس من الاصلاح التدريجى، وعن بلوغ التناقضات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مرحلة الانفجار. وهذا ما كانت عليه مصر فى يناير ٢٠١١.

اندلاع الثورة إذن لم يكن صوابا أو خطأ، بل كان حتميا. ولهذا فبغض النظر عما أسفرت عنه من مكاسب وخسائر فإن ثورة يناير سوف تظل تعبيرا عن لحظة اختار الشعب فيها أن يكسر القيود المفروضة عليه، ويحلم بالتغيير، وينزع عن نفسه الخوف والسلبية، وينزل للشارع مطالبا بالحرية والمساواة والعدالة. وإذا كانت هذه المطالب والأحلام تبدو اليوم بعيدة المنال لأسباب كثيرة لا يتسع المجال هنا للخوض فيها، فإن هذا لا يعنى إنكار حقيقة نزول الملايين إلى الشوارع والميادين، ولا اعتبار ما جرى مؤامرة خارجية، ولا الحط من شأن التضحيات التى بذلها الشعب المصرى ودفع ثمنها غاليا.

فهل ذهبت كل هذه التضحيات هباء؟ لا أظن ذلك. فعلى الرغم من كل المصاعب والتحديات، إلا أن مصر اليوم بالتأكيد ليست مصر ما قبل يناير، بل لدينا تجربة قاسية وثرية تعلمنا منها الكثير ولن تذهب أدراج الرياح. لدينا معارك انتخابية عديدة خاضها الشعب بحماس وتعلم منها الكثير، وتجارب حزبية دفعت بجيل جديد للعمل السياسى، ودستور جيد يمكن البناء عليه مهما تجاهلته الدولة، وشرعية دستورية مستندة على الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو معا، ولدينا حراك مستمر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف