الجمهورية
علاء معتمد
الفوضي.. والسوق الحر
بعض الجرائم لم يعد يجدي معها العقاب المنصوص عليه بالقوانين. ولم يعد السجن وحده كافيا لردع مرتكبيها. ولم يعد هناك مفر من ان تضع فوهة مسدسك في رأس المجرم وتفرغ فيه شحنة غضبك ليصبح عبرة لمن يعتبر.
وكم من الجرائم التي ترتكب في مصر الآن باسم حرية السوق واليات العرض والطلب.. من بينها جريمة المتاجرة بصحة المصريين. ومايتم الكشف عنه يوميا في أوكار وجحور ذبح الحمير وبيع لحومها ومصانع الهامبورجر والسوسيس والكفتة واللانشون. وصوامع خلط القمح بالتراب. ومصانع غش الادوية. وخطوط تعبئة الصلصة من الطماطم العفنة. وتعبئة المياه المعدنية من براميل قذرة. وغيرها من الجرائم التي اعتدنا عليها كل يوم.
كل هؤلاء المجرمين هم السبب الرئيسي في اعتلال وتدهور صحة المصريين واصابتهم بالفشل الكلوي والكبدي والسرطانات وفيروس سي وغيرها من الامراض التي لم تكن معروفة من قبل وظهرت في زمن غاب فيه الضمير والخشية من عقاب الله والدولة والقانون.
هذه الجرائم لم تكن لتنتشر بهذا الحجم الا مع وجود شعور عام بغياب الدولة. والتجرؤ علي القانون. وعدم فاعلية اجهزة الرقابة. وسهولة الافلات من العقاب بسبب تفشي الرشوة والمحسوبية.
والفوضي التي تحدث الآن في الاسواق وانفلات أسعار جميع السلع بلا ضابط ولارابط هو الوجه الاخر لغياب الدولة. وفساد اجهزتها. وعجز الحكومة عن استخدام أي ادوات أواليات للتعامل السليم مع ابجديات السوق الحر. لان حرية السوق لاتعني ابدا الفوضي. ولا تعني ان تترك الحكومة المواطن فريسة سهلة للمنتج والتاجر يفعلان به مايشاءان.
ومصر ليست اول ولا اخر دولة تطبق نظام السوق الحر والاحتكام لاليات العرض والطلب. فهو امر متبع في معظم دول العالم تقريبا. لكن الفرق بيننا وبينهم ان لديهم اجهزة فعالة لحماية المستهلك ولمنع احتكار السوق ومراقبة سلامة السلع وضمان جودتها ولديهم منظمات مجتمع مدني فاعلة تراقب وتحاسب وتفضح المستغلين. وقبل ذلك كله لديهم مواطن واع ومثقف يدرك جيدا حقوقه وواجباته. ولديهم منتجون وتجار يحترمون القانون ويخشون غضب المستهلك. وقبل ذلك كله لديهم ضمير يقظ لاينام ولا يعرف الاجازات.
مايحدث في الاسواق الان ليس له علاقة بارتفاع سعر الدولار ولا بضريبة القيمة المضافة. لانه لا يمكن ان نصدق اننا اكتشفنا فجأة اننا نستورد من الخارج كل شئ. بدءا من حزمة الجرجير الي كيلو الطماطم والسكر والقمح والزيت والادوية والملابس والاسمنت والحديد. وكأننا تحولنا جميعا الي 92 مليون من الجوعي والكسالي والمشردين المعتمدين علي استيراد غذائهم ودوائهم وكسائهم وسكنهم من الخارج.. لكن مايحدث الان في الاسواقپ-كما قلنا- يرجع إلي حكومة رخوة مرتعشة اليد. والي حفنة من المنتجين والتجار الذين ماتت ضمائرهم وتحجرت قلوبهم وكفروا بنعمة الله. حتي وان صاموا وصلوا وحجوا لله في اليوم مائة مرة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف