الجمهورية
عبد الرحمن فهمى
في الليلة الظلماء.. يفتقد البدر
شلة القراء الأصدقاء الكبار أهل العلم والمعرفة والتجارب والمناصب.. هؤلاء القامة والقيمة والمقام.. يتحمسون ويتحدثون حينما يكون هناك ما يستحق.. وحكاية الجزيرتين يجب أن تصل إلي شاطئ الأمان بأقصي سرعة كما كتبت صباح الأحد "أول أمس".. هذا ما يؤيده بعنف الأصدقاء الكبار متفرقين.. فاستمرار تعليق المواضيع الهامة الحساسة بلا بت نهائي "خطأ وخطر".. خطأ في طريقة حكم البلاد أساسا.. هناك مسائل إذا طال عليها الزمن أخذت ما لا تستحقه من أهمية وترسخت في عقول ووجدان الطيبين البسطاء بلا داع.. وهذا خطر في أيامنا هذه بالذات حيث يتربص بنا الكثير من الأعداء مستغلين اللعب بعواطف الناس في أمور تمس قوميتهم.
وهذا ما كتبت ما معناه منذ يومين.. وليس هناك خلاف علي ضرورة حسم هذا الموضوع بأقصي سرعة حتي لا نعطي للأعداء فرصة يمكن استغلالها ضد النظام بلا داع.
***
ولكني كنت قد اقترحت فكرة ما.
لن نلجأ نحن والسعودية للمحاكم الدولية كما فعلنا في مشكلة طابا.. فالوضع مختلف تماما.. ولكن ممكن مجرد عرض الموضوع الذي تحكمه قوانين دولية اسمها القانون الدولي الخاص - لأن هناك قانونا دوليا عاما - يمكن أن نطلب من أحد المكاتب الدولية المتخصصة المعتمدة المنتشرة في أوروبا بالذات نطلب رأيها في قضية الجزيرتين.. وهي مكاتب لها وزنها وخبرتها وخير من المحاكم لأنها لا تتأثر برأي أحد الأطراف.. وليكن رأي مكتب الخبرة الأوروبية هو الرأي النهائي الذي يلتزم به الطرفان السعودية ومصر معا.. وليكن هذا الاحتكام بموافقة الطرفين من البداية حتي النهاية.
وقلت إن من الخطأ الالتجاء إلي المحكمة الدستورية العليا لتبت في حكاية عدم دستورية نظر المحاكم في الأمور السيادية ومنها المعاهدات.. وحكاية هل ما وقعه الطرفان "مصر والسعودية" أخيرا حول الجزيرتين معاهدة أو مجرد اتفاق بين دولتين لإلغاء اتفاق سابق بين الملك فاروق والملك عبدالعزيز في الأربعينات.
قلت من الخطأ الالتجاء إلي المحكمة الدستورية لأن هذا لن ينهي الموضوع.. ولا قرار مجلس النواب.. وهذا مجرد تضييع وقت واستمرار هذا الاحتقان بين عواطف وقومية الناس وبين المواثيق والاتفاقات والتاريخ.. معناه زيادة حدة الجفوة بين شقيقين بلا داع.
مصر بالذات - دون أية دولة أخري عربية أو غير عربية - علاقتها بالسعودية بدأت منذ أول يوم أصبحت فيه دولة سيدنا الرسول صلي الله عليه وسلم أصبحت اسمها "السعودية" بعد ثورة الملك عبدالعزيز آل سعود مباشرة.. علاقتنا أكثر من شقيقين.. هل نسينا أيام المحمل.. الجمل يحمل كسوة الكعبة ويمر في وسط الموتوسيكلات المزخرفة في معظم شوارع القاهرة قبل أن يصل إلي شاطئ البحر الأحمر حيث السفينة في السويس!!! مصر كلها كانت حول الجمل تتبارك بالكسوة الشريفة!!!.. ياه هل نسينا هذه الأيام التي كنا نبني فيها ما يسمي ب "التكية".. لكي تأوي وتطعم من ليس له مأوي ولا طعام.. ونبني المدارس ونملأها بالمدرسين والكتب مجانا.. ياه.. هل نسينا كل هذا؟؟!!.. ولكن في نفس الوقت لم ننس أفضال السعودية.. الملك فيصل هو الذي انتصر في حرب 1973 التي كانت "عنق زجاجة" لمصر كلها.. نعيش أو نموت بلا أية عودة.. حينما تأزمت الأمور فرفع الملك فيصل سعر البترول وأنذر بالمزيد فضغط العالم كله علي أمريكا لكي تنتهي الاحتلال الإسرائيلي فورا.. فكان كامب ديفيد.. ثم قتلوه!!! هذه العلاقة الأخوية بل الشقيقة.. كيف تفسدها جزيرتان أو حتي قارة!!!
***
كالعادة.. سرحت في الماضي العظيم.
نسيت أن السبب في هذا المقال ما قاله لي القراء الأصدقاء الكبار العظام.. معترضين علي البحث عن مكتب استشاري قانوني أوروبي من أجل الفتوي "النهائية".. لا.. عندنا من هم علماء وخبراء في القانون الدولي الخاص الذين خير من أي مكتب أجنبي.. عندنا أساتذة كبار قدماء لهم وزنهم وعندنا أساتذة قانون دولي خاص في عدة كليات حقوق.. القرار السليم هو جمعهم كلهم ومعرفة رأيهم.. الرأي النهائي الذي يرضي ضمائرنا جميعا مهما كان.. ما رأي الدولة؟؟.. في الليلة الظلماء يفتقد البدر.. البدر هنا الدكتور وحيد رأفت الذي أعاد لنا طابا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف