محمد جبريل
ع البحري .. "أسرلة" القدس والضفة الغربية!
في اليوم التالي لبدء رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة. بدأت إسرائيل بناء مئات المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية. وهو ما تزامن مع لقاء نتنياهو مع الرئيس الأمريكي. ووعد مستشاري ترامب بتنفيذ وعده بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلي القدس.
إذا استعدنا بداية المأساة التي يحياها الشعب الفلسطيني. فلعلنا نتعرف إليها فيما كتبه كامبل بيترمان رئيس وزراء بريطانيا عام 1902. يقول : "إن هناك قوماً يسيطرون علي أرض واسعة تزخر بالخيرات الظاهرة والمغمورة. وتسيطر علي ملتقي طرق العالم. وهي وطن الحضارات الانسانية والأديان. ويجمع هؤلاء القوم ديانة واحدة ولغة وتاريخ واحد. وآمال واحدة. وليس هناك أي حجز طبيعي يعزل القوم عن الاتصال ببعضهم البعض. ولو حدث واتحدت هذه الأمة في دولة واحدة. في يوم من الأيام. لتحكمت في مصير العالم. ولعزلت أوروبا عنه. ولذلك يجب زرع جسم غريب في قلب هذه الأمة. يكون عازلاً من التقاء جناحيها. ويشتت قواها في حروب مستمرة. ورأس جسر ينفذ إليه الغرب لتحقيق مطامعه".
والحق أن عمليات القتل العشوائي والمذابح المتوالية وغير المبررة التي نفذتها العصابات الصهيونية. ثم الجيش الإسرائيلي فيما بعد. لا تستهدف مجرد التأديب والتخويف والإرهاب - وكلها أهداف مرفوضة! - لكنها تستهدف تقليص الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. وهو ما يتمثل في العديد من القوانين والاجراءات التي اخترعها الكيان الصهيوني. مثل تحويل عرب القدس من مواطنين إلي مقيمين. وتكبيلهم بقيود تصل إلي حد منعهم من العودة إلي بيوتهم. وإزالة البيارات والمناطق السكنية بدعوي منع الإرهاب الفلسطيني.
يقول بن جوريون في مذكراته: نكون أو لا نكون.. لا شيء غير هذا.. ولا خيار ثالث! وهذه الكينونة المطلوبة لابد ان تتحقق علي حساب الأرض. إن كل المستوطنات في إسرائيل تقوم علي أرض عربية.
لذلك. فإن قتل الفلسطينيين وتهجيرهم. وتفريغ المدن والقري الفلسطينية من أبنائها. هدف أول للدولة الصهيونية. وهي قد سعت إلي ذلك من قبل إعلان قيام الدولة.
تعددت المذابح الفلسطينية - ومازالت - ليس لمجرد تحقيق حلم الدولة. وتوسيعها. وإنما للقضاء علي الشخصية الفلسطينية. علي الهوية الفلسطينية. وكما يقول الكندي مايكل نيومان. فإن كل إسرائيلي يهودي - حتي الأطفال - هم أدوات توجه ضد الشعب الفلسطيني.
كان شافتسبري أول من رفع شعار: وطن بدون شعب. لشعب بدون وطن. حورت جولدا مائير الشعار قليلاً. لكن المعني لم يتبدل. وتناولت الكتابات الصهيونية عرب فلسطين بأنهم "جعلوا البلاد أرضاً قاحلة شبيهة بالصحراء. أرضاً تخلي الله عنها". بل إنهم أرجعوا للإسلام ما حل بأرض فلسطين من دمار". وبعد ان كانت جولدا مائير تتحدث عن فلسطين بأنها أرض بلا شعب. فإنها تساءلت - تحت ضغط المقاومة - في دهشة وقحة: من هؤلاء الفلسطينيون الذين تتحدثون عنهم؟.. نحن الفلسطينيون.
إن الإسرائيليين مشغولون بـ "أسرلة" كل شيء. بمعني صبغ الأماكن ومظاهر الحياة بالصبغة الإسرائيلية. بينما يشغلون العرب بالمفاوضات. والضربات الوقائية. والمعاهدات التي لا تساوي قيمة أوراقها. والتصريحات الوردية أحياناً. والمستفزة أحياناً أخري. وكم تأثرت للشيخ الفلسطيني. وهو يتحدث في محطة الـ MBC الفضائية عن الفلسطينيين الذين شردوا في أقاصي الأرض. ولا تبدو عودتهم إلي وطنهم قريبة. بل هي مستحيلة في ظل المستوطنات التي تقام في كل قطعة من أرض الوطن!
يبقي السؤال الذي لا نمل تكراره: ماذا عن العرب؟!