محمود سلطان
ثورة يناير.. هتكت ستر الجميع
ثمة رأي يعتقد بأن ثورة 25 يناير هزمت، أو على أقل تقدير، انكسر مسارها.. وهي كلها قراءات تعتمد على ما آلت إليه الأوضاع بعد 30 يونيو. وبالتأكيد فإن ظاهر المشهد لا يترك لأحد غير هذا الانطباع، ويكفي أن قادة الثورة ورموزها يقبعون داخل سجون ومعتقلات نظام ما بعد احتجاجات 30 يونيو.. فيما يرفل سدنة نظام مبارك.. ومبارك نفسه هو وعائلته في نعيم الحرية، طلقاء خارج السجون، وهي مفارقة عنوانها الرئيسي: انتصار نظام مبارك وهزيمة ثورة يناير.. بل إن الأموال التي هربت في عهده بات إعادتها بعيدة المنال، ويكفي أيضًا في هذا السياق أن النائب العام السويسري ـ وليس المصري ـ هو الذي جاء إلينا.. هنا في مصر، ويعقد مؤتمرًا صحفيًا، ليطلع الرأي العام المصري على أموال المبارك المهربة.. وهي أيضًا مفارقة، لن تتيح لأي متابع، فرصة البحث عن تبرير أو مخرج يخفف من عذابات الثوار، ويقنعهم بأن كل شيء على ما يرام.. أو أن نظام 3 يوليو، يحمل هموم وأحلام وطموحات ثورة يناير. فعندما تتحدث عن القمع في طبعته الوحشية، وأن التظاهر دون إذن من الذي تتظاهر ضده، يعني إخفاءك داخل السجون بالسنوات.. وعندما توضع الدولة في شبهة الراعي الرسمي للفساد، وتعاقب أدوات مكافحته.. فأنت هنا، من الصعب عليك، أن تحدد مكانك في نقطة قريبة من مربع نظام ثوري.. ولا من مربع نظام مبارك بكل تفاصيله سيئة السمعة، وإنما أبعد بكثير.. هناك عند نقطة اللامعقول، والفجاجة في تحدي الرأي العام، وفي فرض نظام أبوي سلطوي شديد التطرف في استعلائه وافتراض وصايته على الناس، بشكل غير مسبوق، وينزع ما تبقى من مشاعر أمل وتفاؤل بأننا لم نبرح بعد محطة ميدان التحرير. هذا كله ربما يكون صحيحًا.. ونتفهمه، فما يحدث هو منحى يتعمد وبقسوة إعمال "الأستيكة" في كل ما يتصل بثورة يناير، ولا يردعه حجم الدم من كل الأطراف، ولا يمتلك أي رؤية إلا العصا الغليظة وحدها! ومع ذلك فإن هذا هو ظاهر المشهد.. غير أن باطنه يقول نقيض ذلك تمامًا، فالدولة القديمة، عادت لتضع يدها على أدوات السيطرة، فيما لم تعد الأخيرة ـ بعد يناير ـ كما كانت، فالثورة أخرجت أحشاء البلد كلها، ونزعت "القداسة" عن كل المؤسسات ـ حتى عن تلك التي ظلت لسنوات تروع المخالفين، بإطلاق صفة "السيادية" على نفسها ـ باتت كلها عرضة للنقد والنقاش العام، وللتغيير والتطهير الداخلي البطيء غير السريع والمتعجل.. وهي حالة تؤصل في عملية البناء لاحقًا، لأن التغيير السريع يعني الانهيار والتفكك، يعني اقترابك من السيناريو العراقي بعد العدوان الأمريكي البريطاني عام 2003. لم يلتفت أحد، إلى أنه لأول مرة في تاريخ مصر، تناقش تقارير الفساد في مؤسسات الدولة المتنفذة علانية.. والتقارير تسميها بالاسم، وأنه لا يوجد في الدستور مؤسسة اسمها مؤسسة سيادية، وإنما السيادة للشعب وحده. نماذج بسيطة.. هي في حقيقتها، نتاج ما بعد ثورة يناير، فالأخيرة هتكت ستر الجميع، وهالات القداسة والأساطير المؤسسة للتفوق المؤسسي "الأسطوري" و"الهليودي" لم يعد يقنع أحدًا، فالصور التي عشنا عليها قبل الثورة، أسقطتها ثورة يناير.. بعد أن قدمتها للرأي العام خالية من أي "ميكب" دعائي وتعبوي. الثورة لم تهزم ولم تنكسر.. فهي عششت في كل المؤسسات.. والظاهر ـ كما قلت فيما تقدم ـ يشير إلى الأسوأ.. ولكن الباطن يقول: اجمعوا أجزاء الصورة المبعثرة، ستكتشفون بأن يناير لن تهزم ولن تنكسر.. وإنها تنخر في عظام الدولة القديمة، إلى أن تعلن انتصارها النهائي.. فهي مسألة وقت.. نزولاً عند السُنن الاجتماعية والكونية.