المصريون
جمال سلطان
قضية ريجيني تقترب من النهاية المؤسفة
الفيديو الذي أذاعه التليفزيون المصري الرسمي أول أمس للباحث الإيطالي المغدور "جوليو ريجيني" وهو يتحاور مع بائع جائل ، تبين أنه نقيب الباعة الجائلين ، يمثل تطورا خطيرا للغاية في ملف قضية ريجيني ، وقد علمنا أن إذاعة الفيديو كان باتفاق بين جهات التحقيق الإيطالية والنائب العام المصري ، غير أن النسخة التي أذاعها التليفزيون المصري حذف منها حوالي نصف دقيقة كما وضح من مقارنتها بالنسخة التي أذاعها الإيطاليون ، وتبين من الشريط المصور أن نقيب الباعة الجائلين كان يطلب من ريجيني أموالا بدعوى أن زوجته مريضة بالسرطان وابنته تعاني مشكلات ، والباحث الإيطالي يعتذر له بأنه باحث أكاديمي وليس هذا دوره ولا يملك المال ولا يستطيع أن يعرض على المؤسسة البحثية أو النقابية البريطانية أن تدفع أموالا بشكل شخصي وإنما تساعد نقابات مماثلة في إطار اتفاقيات قانونية ودولية . التليفزيون المصري أذاع الفيديو في سياق اتهام ريجيني بأنه كان يمارس أعمالا سياسية معارضة في مصر ، غير أن الشريط كما هو واضح لا يعطي هذه القناعة ، بل يتضح منها أن نقيب الباعة الجائلين كان مدفوعا لتوريط ريجيني في أي كلام من هذا القبيل ويحاول سحبه مرارا لتوريطه في شبهة تمويل ، كل ذلك وهو يعرف أن المشهد كله مصور ومسجل ومنقول لجهات أمنية ، وقد حاول هذا "المخبر" أن يزعم لرويترز أنه هو من قام بتسجيل الحوار على هاتفه المحمول ، وهو كذب واضح لأن الصورة في الشريط تأتي أحيانا مظهرة جزءا من ظهره أو كتفه ، بما يعني أن كاميرا تصوير من ورائه كانت تصوره . الأخطر من هذا الجدل كله هو تأكيد الشريط على أن الباحث الإيطالي كان يخضع لرقابة أمنية ومتابعة ورصد لتحركاته ومقابلاته على خلفية الاشتباه بأنه "جاسوس" ، وقد قال محمد عبد الله نقيب الباعة أن هذا الشريط سجل في أول يناير 2016 أي قبل اختفاء ريجيني وقتله بحوالي عشرين يوما على الأقل ، وهو تأكيد لما انتهى إليه التحقيق الإيطالي من أن الشرطة المصرية كذبت في ادعائها أنها لم تكن تعرف ريجيني وأنها لم تتابعه قبل اختفائه في 25 يناير ، وهو ما أكده النائب العام المصري في النهاية وأثبت أن ريجيني كان يخضع للرقابة الأمنية ، ليكون هذا أول اتهام للشرطة المصرية بتضليل العدالة ، ويأتي هذا الشريط المصور ليضيف "مصيبة" جديدة ، وهي أن الجهاز الأمني كان يراقب ريجيني ويصور تحركاته ويرصد نشاطاته بدقة طوال ثلاثة أسابيع على الأقل ، وهذا يعني ـ بداهة ـ استحالة الادعاء بأن الأمن المصري لا يعرف كيف اختطف ريجيني وأين اختفى وكيف عذب وقتل بتلك الطريقة الوحشية التي كشفت عنها جثته ، خاصة وأن نقيب الباعة يقول أنه كان يشعر أنه "جاسوس" وأنه كان يتعاون مع الأمن بخصوص ريجيني على هذا الأساس ، وبالتالي من المحال أن يترك الجاسوس بدون متابعة على مدار الساعة . الحصار يضيق بالفعل على جهاز أمني مصري ، هذا ما فهمه الجميع أول أمس بعد إذاعة شريط الفيديو ، وقد اضطرت جهات التحقيق القضائية المصرية ممثلة في النائب العام إلى السماح لفريق تحقيق إيطالي أن يأتي إلى مصر ليحقق بنفسه في بعض مستندات القضية ، ومنها سجلات كاميرات التصوير في محطات مترو الأنفاق ، ومنها فحص هواتف وسجلات الاتصال لثلاثة ضباط مصريين قاموا بقتل خمسة مواطنين مصريين بدعوى أنهم متورطون في خطف وقتل ريجيني ، وهو ما ثبت بعد ذلك أنه هراء وأكاذيب ، وسوف يستعين المحققون الإيطاليون بخبراء ألمان ، وهذا كله أمر غير مألوف لأنه يجرح السيادة المصرية وخاصة في أمر يتصل بشئون القضاء واستقلاله وسيادته التي لا تقبل أن يتدخل فيها حتى الحكومة المصرية نفسها ، ناهيك عن جهات أجنبية . يتابع القضاء الإيطالي قضية مقتل "مواطنه" جوليو ريجيني بصبر وطول بال وإصرار على الوصول إلى الحقيقة ، ويجمع الخيوط الصغيرة ويحاصر الجهاز الأمني في مصر ويضغط حتى على القضاء المصري لدرجة أن النائب العام المصري يسافر عدة مرات ليعرض عليهم في روما نتائج التحقيقات والمستجدات ، وهو أمر غير مألوف ، والمحزن أن يحدث كل ذلك في الوقت الذي قتل فيه خمسة مواطنين مصريين بدم بارد ، أبيدوا عن آخرهم في "ميكروباص" بضواحي العاصمة وقالت الشرطة أنها عثرت على وثائق "ريجيني" وجواز سفره في بيت أحدهم ، ونشروا صور ذلك في وسائل الإعلام ، ثم ثبت أن لا صلة لهم نهائيا بالقضية وأنهم كانوا مجرد ضحايا في مسلسل لم تأت نهايته بعد ، وحتى اليوم كل ما نعرفه هو خطوات التحقيق في مقتل "المواطن" الإيطالي ، بينما "المواطنون" الخمسة المصريون لا يعرف أحد حتى الآن : بأي ذنب قتلوا ، وهل جرت تحقيقات مع قاتليهم ، وإلى ماذا انتهت التحقيقات ، وطنين كلمات والدة ريجيني يدوي في آذاننا وهي تبكي ولدها وتقول : عذبوه وقتلوه كما لو كان مصريا !!

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف