الأهرام
أحمد فؤاد أنور
ملف قتل الأسرى جرح لم يندمل
وسط هتافات عشاق كرة القدم، وصخب ردود الأفعال على تصريح غير منضبط لفنانة عن فنان زميل، لم تقف مواقع التواصل الاجتماعي ولا الفضائيات بالقدر الكافي أمام مطالبة قضائية للحكومة المصرية باستئناف جهود إلزام إسرائيل بتعويضنا عن جرائم قتل الأسرى.


في البداية يجب علينا أن نوضح أن الجريمة غير مسبوقة وأنه على مدى التاريخ الحديث لم يعترف طرف بارتكاب مثل هذه الجريمة سوى إسرائيل وداعش، فالأسير له حقوق تضمنها المعاهدات الدولية ولذا دوما تكون هناك اتهامات من طرف ضد طرف آخر في هذا الصدد، لكن لم يحدث حتى في عهد هتلر أن أقر طرف بأنه ارتكب الجريمة النكراء والأخطر أن الاعترافات أتت على لسان قادة وبدءا من عام 1995 وكأنه نوع من التباهي والتفاخر..وهنا يجب علينا قبل أن نسترسل أن نوضح للرأي العام أن الجريمة لا تسقط بالتقادم، وهو ما استندت إليه إسرائيل في طلبها التعويض أو الملاحقة لمؤسسات وشخصيات بشأن جرائم النازي. كما أن شركة سيارات يابانية شهيرة اعتذرت عن تشغيلها أسرى أمريكان بعد الواقعة ـ التى لا تقارن بقتل الأسرى بالطبع- بعشرات السنوات.

أهم المحطات في هذا الملف ما أقر به الجنرال آرييه بيرو في حوار مع جريدة القدس قال: في متلا في حرب 56 قتلنا كل أسير تمكنا من قتله وهو مقيد اليدين. وكان الجنرال الإسرائيلي قد عمل كأحد عناصر عصابة البالماح الصهيونية قبل عام 1948 ثم في صفوف وحدة تسمى الوحدة 101 في الجيش الإسرائيلي عام 1956، ثم شارك في حرب 67 ، حيث أصيب بإصابة خطيرة ثم مات بمرض عضال عام 2006.

في يناير 1998 أقامت إسرائيل لجنة فحص أقرت بأن جرائم قتل أسرى وقعت لكنها زعمت أنها وقعت من الجانبين الإسرائيلي والمصري ! وبالطبع ما يعنينا هو الاعتراف الرسمي للمرة الثانية بأن الجرائم وقعت بالفعل ولا يعنينا المزاعم لأن الاعتراف سيد الأدلة وقد أتى من قائد ثم من لجنة تحقيق إسرائيلية. والملاحظ هنا أن تلك اللجنة الإسرائيلية لم تدن قادة أو أسماء محددة، كما رفضت إسرائيل طلب مصر بتشكيل لجنة مشتركة، وهنا قامت مصر بأمر النائب العام في أغسطس 1998 بفتح تحقيق في قيام شارون وبنيامين بن اليعازر وستة ضباط في الجيش بقتل أسرى.

وقبل أن يتم حسم الأمر بشكل مرضٍ للرأي العام المصري تم يوم 1 مارس 2007 على القناة الأولى الإسرائيلية إذاعة الفيلم «روح شاكيد» (عن أنشطة وحدة في الجيش الإسرائيلي تم تأسيسها عام 1955 وتم الغاؤها عام 1979) وفيه اعتراف بقتل 250 عنصرا من القوات الخاصة بعد استسلامهم على لسان وزير الدفاع السابق بنيامين بن اليعازر وهو ما تراجع عنه، بل وبعث للأهرام يقول إنه قتل خلال معارك مقاومين فلسطينيين، وأن قواته اشتبكت قبل تلك الواقعة مع كتيبة مصرية، لكنها تعاملت مع أفرادها بشكل إنساني.

ولم يجد بن اليعازر بالطبع صعوبة في أن يحصل من وحدة التأريخ العسكري في الجيش الإسرائيلي على نفي للواقعة، حيث زعمت تلك الوحدة أن من قتلوا كانوا فدائيين فلسطينيين. وهو ما يتعارض مع جاء في كتاب للمؤرخ الإسرائيلي أوري ميلنشتاين عن وحدة شاكيد صدر عام 1994. مع ملاحظة أن القائم على إعداد الفيلم الإسرائيلي، ويدعى «ران أدليست» خدم في ذات الوحدة (شاكيد) وبالتالي كان له اضطلاع مباشر على الجرائم التي وقعت، وإن كان قد انضم بعد تقاعده لحركة «السلام الآن» بعد أن شارك في عمليات وأصيب في إحداها، خلال الفيلم تم عرض صور أسرى مصريين وتم التأكيد أن القتل تم وهم غير مسلحين. وربما يكون بث الفيلم متضمنا هذا الاعتراف الصريح تفريغا لشحنة الضمير أو نوعا من الردع على غرار ما تقوم به داعش حاليا، حين بثت حرق الأسير الأردني ثم الأسيرين التركيين وغيرهما.

في المقابل تم تحريك دعوى قضائية أمام المحكمة المصرية أفاد خلال جلساتها وفي شهادة رسمية المقاتل أمين عبد الرحمن بأنه شهد في البداية قتل اثنين من الأسرى (ضابط وجندي) على يد بنيامين بن اليعازر بشكل مباشر لطلبهما ماء، ثم تم بعد ذلك تجميع عدد آخر من الأسرى بجوار خزان للمياه بزعم السماح لهم بالشرب ثم تم قتلهم بشكل جماعي، وفي شهادة أخرى قال المقاتل محمد تواب أن بعض الأسرى «ماتوا مختنقين».

الملف متخم والاتصالات والإجراءات والجهود لاستعادة حقوق أبنائنا بدأت وتبلورت في منتصف التسعينيات وفي منتصف العقد الأول من الألفية الحالية، وقد تم التحرك وفقا لرؤى دبلوماسية وسياسية، ومعطيات ربما يكون مكان مناقشتها الأمثل لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان الحالي على أن يتم إعلان صيغة وآليات التحرك الجديد ـ مرتكزا على الحقائق والعلم- وبشكل واضح ومبسط على الرأي العام حتى يندمل الجرح قليلا ويتم جبر ضرر لو كان قد لحق بالجانب الإسرائيلي لما توانى عن استغلاله وإبرازه لعشرات وربما مئات السنين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف