تقوم الحضارة الإنسانية على مجموعة القيم والمبادئ التي يلتزم بها أهل تلك الحضارة، وفي زماننا هذا قل أو انعدم بُعد أساسي من أبعاد التربية ألا وهو البعد الأخلاقي، وأضحت النفعية مسيطرةً على كل العقول والتصرفات، القيم الأخلاقية تاهت في زحمة الحياة بل ضاعت وكادت أن تختفي، وأصبح الناس كل منكفئ على مصلحته، لا أحد يراعي كبيرًا ولا صغيرًا ولا رحمة بين الناس إلا من رحم ربي.
نستغرب عندما نجد مسئولاً كبيرًا متورطًا في قضية رشوة، أو قضية تهريب مخدِّرات أو قضية تواطؤ مع مجرمين أو تستُّر عليهم، كل هذا مرده إلى خلل تربوي لم ينشأ عليه هذا المتورط وهو صغير، أو قد يكون جاء لمنصبه برشوة أيضا، وما بني على خطأ فهو خطأ.
وكي تقوم مجتماعاتنا لا بد من إعادة ابتعاث قيمنا الأخلاقية من جديد، ولا بد من صحوة تربوية جديدة لإعادة البنيان الذي كاد أن يتهاوى، وما لم نفعل هذا فسنظل من سيئ إلى أسوأ.
ناهيك عن انعدام المروءة والشهامة عند الكثيرين الآن وخاصة من الشباب للأسف، فتجد مثلا سائق السيارة الأجرة لا يوقف سيارته إلا للزبون السريع الذي ليس معه حقيبة ولا أولاد شريطة ألا يكون شيخا كبيرا في السن ولا امرأة مسنة ولا سيدة مع أطفالها، وإذا ما رأى شيخًا كبيرًا يشيح عنه بوجهه ولا يوقف له سيارته؛ نظرا لأنه لا يريد أن ينتظر حتى يركب هذا الكبير في السن الذي قد يستغرق وقتًا في ركوبه، فالسائق يودُّ أن يطير ولا مجال لديه للضعفاء والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة!!
والأدهى من ذلك أنك تجد من يقفون بسياراتهم في عرض الطريق دونما مراعاة لضوابط السير أو اتجاهاته، ولا بأس عندهم أن تتعطل حركة المرور، المهم أن يرضوا غرورهم ويفتعلوا الإشكالات هنا وهناك.
ولو أنك جئت بأحد "الصنيعية" سواء أكان سباكًا أم كهربائيًّا أو غيره تجده يتعامل معك معاملة الاستغلال ويتحايل على أخذ أكبر قدر من المال بقدر ما يستطيع، سواء أكان يستحقه أم لا، وليته يتقن عمله، لكن للأسف تجد عدم الانضباط وعدم الدقة في العمل وعدم الإتقان.
ثقافة الأنانية والانفلات الخلقي والمصلحة طغت على الكل، واختفت قيمة التعاون بين البشر، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه لا بد له أن يتفاعل مع مجتمعه، وينبغي ألا يعيش في برج عاجي منعزلاً عن بني جنسه، لا بد من التعاون فيما بيننا ولا داعي لثقافة الأثرة والأنانية، بل لا بد من ثقافة العطاء والانفتاح والتعاون والتواصل مع بقية البشر.
لا بد أن نستحضر مشاهد يوم القيامة، ذلك اليوم الذي سنحاسب فيه أمام الله تعالى، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، لا بد من الإيثار ومعاونة الغير حتى لو لم يرجع ذلك علينا بالنفع الدنيوي فبإذن الله تعالى سنكافأ عنه أمام الله تعالى.
إننا بحاجة إذن إلى استحضار ثقافة الإيثار والتعاون فيما بيننا، كي نبني بلدنا، ولا داعي للنظرة الضيقة نظرة المصلحة فقط، وليت السياسييين المنغلقين على مصالحهم ليتهم يتعاملون مع بعضهم من هذا المنطلق منطلق التعاون لا الأنانية، كي نبني بلدنا من جديد ونصلح ما أفسده المفسدون، ولنضع في أذهاننا أن هذه هي مصر بلدنا تستحق منا كل تضحية وفداء.