تجديد الخطاب الديني بات ضرورة ملحة لا مفر ولا مناص منها.. وهذه هي اللحظة المناسبة لبدء هذه المهمة من أجل صياغة خطاب ديني يناسب واقع مصر الاجتماعي والاقتصادي ويأخذ في الاعتبار البيئة الدولية المعادية لما تسميه "الإسلام الراديكالي" علي أن يتم ذلك دون المساس بثوابت الدين طبعاً.
ولكي أكون أكثر وضوحاً أقول إن الواقع الاقتصادي في مصر بالغ الصعوبة. والواقع الاجتماعي مهترئ بسبب غياب منظومة القيم الدافعة إلي التقدم. ويكفي أن أضرب مثلاً بمعدلات الطلاق المرتفعة. فمصر هي الأولي عالمياً في الطلاق أو بأداء الإنسان المصري في العمل. وغياب الإتقان أو حتي بنظافة شوارع مدن مصر وتدهور البيئة فيها.
عالمياً تبدو الأمور واضحة وضوح الشمس.. فروسيا تحارب ما تسميه التطرف في سوريا. وفي الغرب أوروبا وأمريكا يصعد اليمين المتطرف المعادي للإسلام والمسلمين. وتنتشر ظاهرة "الإسلامو فوبيا" ويتعرض المسلمون لمضايقات. وتتزايد الجرائم التي تُرتكب ضدهم. وخلال حفل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في واشنطن الجمعة الماضية ترددت عبارات مؤلمة مثل "الإسلام دين شر" وتعهد ترامب في خطاب التنصيب بمحو ما أسماه "الإسلام المتشدد".
ومن المؤسف أن المسلمون لا يدركون أن هذه الحملة المعادية تأتي في وقت يرسخ فيه الإسلام أقدامه في الغرب. حتي أن أحد المسئولين الفرنسيين قال إن رئيس فرنسا خلال عشرين عاماً سيكون مسلماً.
ولكي تنجح مهمة تجديد الخطاب الديني لابد أن تقوم علي أسس علمية ويتفق علماء الإسلام علي أن ركائز تحديد الخطاب الديني ثلاثة.. الأولي: محورية الإنسان. بمعني تجديد علاقة الإنسان بربه وخالقه وفهم سنن الكون والخلق.. والثانية: محورية العلم. وهذه تعني عدم السماح لكل من هب ودب أن يعتلي المنابر. ويتكلم في الدين. فلا يتكلم في الدين إلا أهل العلم وأصحاب الفكر. والقادرون علي التجديد.. أما الركيزة الثالثة: فهي منظومة القيم الدافعة إلي التقدم والتسلح بالعلم وإعمار الأرض.. "إذا كان في يد أحدكم فسيلة".. و"اطلبوا العلم ولو في الصين".
.. وإجمالاً لا ينبغي إبقاء المتشددين والمتطرفين وأصحاب الخطاب الداعشي. الذي يري أن العالم ينقسم إلي فسطاطين: فسطاط الخير.. وفسطاط الشر.. هذا الخطاب الذي يؤمن بأبدية الصراع بين الخير والشر لا وجود له في مصر. كما أن مصر لا تعرف الطائفية المقيتة. فالإسلام الذي نعرفه هو دين الشوري والعمل والإتقان والأمانة. والأسرة المتماسكة.. والإسلام دين التسامح وقبول الآخر. وهو الدين الوحيد الذي يحترم الرسالات السابقة. وكل الأنبياء والرسل.. علينا أن نتغير حتي يغير الله ما بنا.. إذا نجحنا في ذلك. فلن نخاف أحداً.