د . جمال المنشاوى
ذكري ثورة 25 يناير.. إنتصارات وإنكسارات !
يوم خرج 22 مليون مصري في الفترة من 25 يناير حتى 11 فبراير 2011, ليحتجوا علي أوضاعٍ مأساوية تمس حياتهم في كل المجالات, فالفساد بلغ ذروته ومنتهاه, ووصل إلي قمة الهرم, وبطريقة مسعورة قام بها الفاسدون, كما وصفهم وقتها حسب الله الكفراوي الوزير السابق بقوله (دول مش فاسدين دول مسعورين), فقد أنشأوا بنكاً (البنك العربي الأفريقي) ليكون خاصاً لعلية القوم يهربون من خلاله الأموال إلي الخارج دون رقابة من أحد, ووصل سعار بيع البلد إلي التفكير في بيع مجمع التحرير للحصول من ورائه علي العمولات وبيعه بأبخس الأسعار والحصول علي الفروق!, وكان من النكت الشهيرة التي تحدثت عن مدي الفساد واستغلال النفوذ لأحد أبناء مبارك أنه سأل أباه أن يشتري له محل في السلوم ومحل في أسوان ثم يفتحهم علي بعض!! يعني يمتلك البلاد من شمالها لجنوبها, علاوة علي سياسة بيع وامتلاك الأراضي بالملاليم وبيعها بالملايين للمحظيين والمقربين من السلطة, والقوانين التي تصدر خصيصاً لبعضهم لإدخال سلع وإعفائها من الضرائب والجمارك, حتى صار الفساد ديدناً وديناً تعتنقه هذه الطبقة المتنفذة القريبة من رأس السلطة وتابعيه!, ثم إن الوضع السياسي كان قد وصل لطريقٍ مسدود بعد تزوير انتخابات مجلس الشعب 2010 واستهتار مبارك بالمعارضين والمعترضين علي النتائج بقوله (خليهم يتسلوا), وكانت الانتخابات بلغت القمة في المهازل حيث مُنِع الناخبون من الوصول للجان للإدلاء بأصواتهم فأخذوا يتسلقون الأسوار للوصول لها لكن الأمن كان لهم بالمرصاد, ووصل الاستخفاف بحياة المصريين مُنتهاه بعودة توابيت القتلى من العراق, وطرد العمال المصريين من ليبيا في الصحراء وتعقيب مبارك علي ذلك بقوله (وإيه اللي وداهم هناك), ثم جاءت فاجعة العبارة والتي غرق فيها 1400 شخص بين سواحل مصر والسعودية, والتقصير البشع في إنقاذهم بحجة عدم إزعاج الرئيس في هذا الوقت فظلوا يصارعون الأمواج 7ساعات دون فائدة, علاوة علي التقصير الرهيب في عوامل السلامة للعبارة وتحميلها بأكثر من طاقتها وخروج مالكها ممدوح إسماعيل هارباً من صالة كبار الزوار لمشاركته لأحد العاملين بالرئاسة, ثم ذهاب مبارك في نفس اليوم لحضور تدريب الفريق القومي لكرة القدم بدلاً من معاقبة المقصرين وإعلان الحداد الوطني!, وجاءت ممارسات الشرطة لتزيد الطين بله بانتهاكاتها لكرامة الإنسان في الأقسام والتعذيب الممنهج داخلها وفي مقرات أمن الدولة والتي بلغت أوجها بمقتل الشاب خالد سعيد وتلفيق التهم له بعد وفاته, كان هذا غيضُ من فيض لأسباب انفجار الناس والذين تجمعت فيهم كل عوامل الثورة, من الغضب والكبت والتجاهل من السلطة ثم التجمع والانفجار النهائي في شكل مظاهرات عمت كل أنحاء مصر, وشملت كل الطبقات والمهن والرجال والنساء والأطفال, وانحاز الجيش لهذا التجمع وأجبر مبارك علي التخلي عن السلطة, وكان هذا سقف طموحاته لإلغاء فكرة توريث نجل مبارك (جمال) والذي يعتبر خارجاً عن المؤسسة العسكرية, ولذا لم يقف بجانب بقية المطالب الرئيسية عيش-حرية-عدالة إجتماعية- كرامة إنسانية, وظهر هذا جلياً بعد تولي قائده السيسي الحكم , فبالرغم من إشادة الدستور بالثورة وأهدافها فإن السلوكيات تُنبئ بعكس مطالبها, فالحريات مقهورة, والتضييق علي أشده, والاعتقالات لشباب الثورة بتهمٍ واهية علي قدمٍ وساق, ورفع الأسعار بطريقة جنونية هو السائد حتى أصبح شغل الناس الشاغل هو كيف يمر يومهم دون إستدانة لتوفير الحاجات الرئيسية لهم, ولا وجود للعدالة الاجتماعية التي ينشدها المواطنون فهناك طبقه الشعب الكادح مطلوب منها التحمل والتبرع في حب مصر, وطبقة أخري تتمتع بكل شيء ولا تكاد تحس منهم من أحدٍ أو تسمع لهم ركزاً في التبرع ولو بمليمٍ واحد, وهم الذين يجنون المكاسب والثروات من قوانين وعلاقات تصب في مصلحتهم, ولا تقدم في مجال الكرامة الإنسانية حيث مازالت بعض حالات القتل والاعتقال والتعذيب خارج القانون, ومازالت أسرار الناس تُذاع علي الشاشات في انتهاكٍ صريح للدستور والقانون والأخلاق, وكأننا في جمهورية موز أو قبيلة في الأدغال وليست دولة عريقة عمرها 7 آلاف سنه كما يقولون, أخفقت وانكسرت ثورة يناير بفعل فاعل خشي علي مصلحته ومكاسبه , فسلط أجهزته ودولته العميقة علي تشويهها وشيطنتها مستغلاً تصرفات بعض الشباب الذين صنعهم الإعلام وصورهم علي أنهم القادة وأهمل 22 مليوناً كان بداخل كل واحد منهم بركان, وله قصة ومظلمة وعنده أمل في التغيير, ولم يكن قابضاً أو عميلاً أو جاسوساً بل وطني مخلص محب لوطنه عاشق لترابه يرجو له الخير ويتمني له أن يعلو ويسود, لكنها برغم كل هذا وبرغم ما تعرضت وتتعرض له من تشويه وشيطنة ممن أكل الحقد قلوبهم أن يستيقظ الشعب ويطالب بحقه ويخلع رمزاً أصيلاً من أصول الفساد, وهو صنمهم الذي هوي, وإله العجوة الذي نخر فيه السوس, وخيال المآتة الذي خر بعد أن أكلت دابة الأرض منسأته, فإنها قد كسرت حاجز الخوف عند الشعب وصدرته للحاكم الذي أصبح مرعوباً من أي تجمعٍ ولو بسيط حيث يري فيه بداية نهايته, وأجبرتهم علي تحديد مدة الرئاسة بفترتين (8سنوات) وليس بالتأبيد كما كان قبل,وجعلت المسئولين الأمنيين يتحسسون الطريق قبل اتخاذ أي قرار بصرف النظر عن بعض التجاوزات, وجرأت الناس علي الجهر بمطالبهم حتى ولو لم تتحقق قريباً, وجعلت المسئولين يعيشون في رعب المحاكمة بعد رأوا رئيسين سابقين خلف قفص السجن, انكسارات ..وانتصارات مرت بها ثورة 25 يناير لكنها ستظل رغم عدم تحقيق كل أهدافها أعظم ثورة في تاريخ الشعب المصري يفخر بها الأحرار والشرفاء, ويهاجمها المنتفعون والبؤساء, لكنها في نهاية المطاف ستحقق أهدافها كاملة بمشيئة الله وإن غداً لناظره قريب ** كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية